مسروق) هو ابن الأجدع (قال):

(سألت عائشة، رضي الله عنها، عن) عدد (صلاة رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بالليل؟ فقالت):

تارة (سبع و) تارة (تسع و) أخرى (إحدى عشرة) وقع ذلك منه في أوقات مختلفة بحسب اتساع الوقت وضيقه، أو عذر من مرض أو غيره، أو كبر سنه.

وفي النسائي عنها: أنه كان يصلّي من الليل تسعًا، فلما أسن صلّى سبعًا. قيل: وحكمة اقتصاره على إحدى عشرة ركعة أن التهجد والوتر يختص بالليل، وفرائض النهار الظهر أربع،

والعصر أربع، والمغرب ثلاث، وتر النهار، فناسب أن تكون صلاة الليل كصلاة النهار في العدد جملة وتفصيلاً. قاله في فتح الباري.

ويعكر عليه صلاة الصبح فإنها نهاية لآية: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] والمغرب ليلية لحديث: "إذا أقبل الليل من هاهنا، فقد أفطر الصائم". فليتأمل.

(سوى ركعتي الفجر) فالمجموع: ثلاث عشرة ركعة.

وأما ما رواه الزهري، عن عروة. عنها: كما سيأتي إن شاء الله تعالى، في باب: ما يقرأ في ركعتي الفجر؟ بلفظ: كان يصلّي بالليل ثلاث عشرة ركعة، ثم يصلّي إذا سمع النداء للصبح ركعتين خفيفتين، وظاهره يخالف ما ذكر؟

فأجيب: باحتمال أن تكون أضافت إلى صلاة الليل سنة العشاء، لكونه كان يصلّيها في بيته، أو ما كان يفتتح به صلاة الليل. فقد ثبت في مسلم عنها: أنه كان يفتتحها بركعتين خفيفتين.

ويؤيد هذا الاحتمال رواية أبي سلمة، عند المصنف، وغيره: يصلّي أربعًا ثم أربعًا ثم ثلاثًا.

فدل على أنها لم تتعرض للركعتين الخفيفتين، وتعرضت لهما في رواية الزهري. والزيادة من الحافظ مقبولة.

1140 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، مِنْهَا الْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ".

وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين، مصغرًا العبسي الكوفي (قال: أخبرنا حنظلة) بن أبي سفيان الأسود بن عبد الرحمن (عن القاسم بن محمد) ابن أبي بكر الصديق (عن عائشة، رضي الله عنها، قالت):

(كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يصلّي من الليل ثلاث عشرة ركعة) بالبناء على الفتح وسكون شين عشرة، كما أجازه الفراء (منها) أي: من ثلاث عشرة: (الوتر، وركعتا الفجر).

وفي بعض النسخ: وركعتي الفجر، نصب على المفعول معه، وفي رواية مسلم: من هذا الوجه كانت صلاته عشر ركعات، ويوتر بسجدة، ويركع ركعتي الفجر، فتلك ثلاث عشرة. وهذا كان غالب عادته عليه السلام.

11 - باب قِيَامِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِاللَّيْلِ وَنَوْمِهِ، وَمَا نُسِخَ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ

وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وِطَاءً وَأَقْوَمُ قِيلاً * إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلاً}. وَقَوْلِهِ: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: نَشَأَ قَامَ بِالْحَبَشِيَّةِ. وِطَاءً قَالَ: مُوَاطَأَةَ الْقُرْآنِ، أَشَدُّ مُوَافَقَةً لِسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَقَلْبِهِ. {لِيُوَاطِئُوا} لِيُوَافِقُوا.

(باب قيام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي: صلاته (بالليل ونومه) بواو العطف ولأبي ذر من نومه (و) باب (ما نسخ من قيام الليل).

(وقوله تعالى) بالجر عطفًا على قوله وما نسخ (يا أيها المزمل) أصله: المتزمل، وهو الذي يتزمل في الثياب، أي يلتف فيها، قلبت التاء زايًا وأدغمت في الأخرى أي: يا أيها الملتف في ثيابه.

وروى ابن أبي حاتم، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] أي: يا محمد قد زملت القرآن.

({قم الليل إلا قليلاً}) منه ({نصفه أو أنقص منه قليلاً أو زد عليه}) [المزمل: 1 - 3]. قم أقل من نصف الليل، والضمير في: منه للنصف.

أي: على النصف:، وهو بدل من الليل، وإلا قليلاً: استثناء من النصف، كأنه قال: قم أقل من نصف الليل، والضمير في منه، للنصف.

والمعنى التخيير بين أمرين: أن يقوم أقل من النصف على البت، وبين أن يختار أحد الأمرين النقصان من النصف والزيادة عليه، قاله في الكشاف.

وتعقبه في البحر: بأنه يلزم منه التكرار، لأنه على تقديره: قم أقل من نصف الليل يكون قوله: {أو أنقص} من نصف الليل تكرارًا. أو: بدلاً من قليلاً. وكأن في الآية تخييرًا بين ثلاث: بين قيام النصف بتمامه، أو قيام أنقص منه، أو أزيد. ووصف النصف بالقلة بالنسبة إلى الكل:

قال في الفتح: وبهذا، أي: الأخير جزم الطبري، وأسند ابن أبي حاتم معناه عن عطاء الخراساني.

وفي حديث مسلم، من طريق سعد بن هشام عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت: افترض الله تعالى قيام الليل في أول هذه السورة، يعني: {يا أيها المزمل} فقام نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأصحابه حولاًَ حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوّعًا بعد فريضة.

وقال البرهان النسفي في الشفاء: أمره أن يختار على الهجود التهجد، وعلى التزمل التشمر

للعبادة، والمجاهدة في الله تعالى، فلا جرم أنه عليه السلام قد تشمر لذلك وأصحابه حق التشمر، وأقبلوا على إحياء لياليهم، ورفضوا الرقاد والدعة، وجاهدوا في الله حتى انتفخت أقدامهم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015