تأولت ما تأول عثمان) بن عفان، رضي الله عنه، من جواز القصر والإتمام، فأخذ بأحد الجائزين وهو الإتمام أو أنه كان يرى القصر مختصًّا بمن كان سائرًا.
وأما من أقام في مكان في أثناء سفره، فله حكم المقيم، فيتم فيه، والحجة فيه ما رواه أحمد بإسناد حسن، عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: لما قدم علينا معاوية حاجًّا، صلّى بنا الظهر ركعتين بمكة، ثم انصرف إلى دار الندوة، فدخل عليه مروان وعمرو بن عثمان فقالا: لقد عبت أمر ابن عمك لأنه كان قد أتم الصلاة. قال: وكان عثمان حيث أتم الصلاة إذا قدم مكة يصلّي بها الظهر والعصر والعشاء أربعًا أربعًا، ثم إذا خرج إلى منًى وعرفة قصر الصلاة، فإذا فرغ من الحج وأقام بمنى أتم الصلاة، وهذا القول رجحه في الفتح لتصريح الراوي بالسبب، وقيل غير ذلك مما يطول ذكره.
ورواة حديث الباب ما بين بخاري ومكّي ومدني، وفيه: تابعي عن تابعي عن صحابية، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم والنسائي في الصلاة، وتقدم شيء من مباحثه فيها.
هذا (باب) بالتنوين (يصلّي) المسافر (المغرب) ولأبي ذر: يصلّى المغرب (ثلاثًا في السفر) كالحضر لأنها وتر النهار. ويجوز في تصلّى فتح اللام مع المثناة الفوقية، والغرب بالرفع نائبًا عن الفاعل.
فإن قلت: ما وجه تسمية صلاة المغرب بوتر النهار مع كونها ليلية؟
أجيب: بأنها لما كانت عقب آخر النهار، وندب إلى تعجيلها عقب الغروب، أطلق عليها وتر النهار لقربها منه.
1091 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ". قَ الَ سَالِمٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَفْعَلُهُ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ. [الحديث 1091 - أطرافه في: 1092، 1106، 1109، 1668، 1673، 1805، 3000].
وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو: ابن حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم عن) أبيه (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما قال):
(رأيت رسول الله) وللأصيلي: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذا أعجله السير في السفر) قيد يخرج به ما إذا أعجله السير في الحضر، كأن كان خارج البلد في بستان مثلاً (يؤخر المغرب) أي: صلاة المغرب (حتى يجمع بينها وبين العشاء) جمع تأخير، وهو الأفضل للسائر، أي: فيصلّيها ثلاثًا، كما سيأتي إن شاء الله تعالى قريبًا.
(قال سالم: وكان) أبي (عبد الله يفعله) أي: التأخير المذكور، ولأبي ذر: وكان عبد الله بن عمر يفعله (إذا أعجله السير).
1092 - وَزَادَ اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ سَالِمٌ: "كَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ". قَالَ سَالِمٌ: "وَأَخَّرَ ابْنُ عُمَرَ الْمَغْرِبَ، وَكَانَ اسْتُصْرِخَ عَلَى امْرَأَتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ، فَقُلْتُ لَهُ: الصَّلاَةُ. فَقَالَ: سِرْ. فَقُلْتُ: الصَّلاَةُ. فَقَالَ: سِرْ. حَتَّى سَارَ مِيلَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي إِذَا أَعْجَلَهُ
السَّيْرُ". وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ فَيُصَلِّيهَا ثَلاَثًا ثُمَّ يُسَلِّمُ، ثُمَّ قَلَّمَا يَلْبَثُ حَتَّى يُقِيمَ الْعِشَاءَ فَيُصَلِّيَهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ، وَلاَ يُسَبِّحُ بَعْدَ الْعِشَاءِ حَتَّى يَقُومَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ".
(وزاد الليث) بن سعد على رواية شعيب في قصة صفية: وفعل ابن عمر خاصة.
وفي التصريح بقوله: قال عبد الله: "رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقط ... ". مما وصله الإسماعيلي، كما في الفتح، والذهلي في الزهريات، كما في مقدمته ..
(قال: حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) الزهري (قال سالم):
(كان ابن عمر رضي الله عنهما يجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة) ورواه أسامة عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلفظ: جمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة في وقت العشاء. (قال سالم):
(وأخر ابن عمر المغرب) حتى دخل وقت العشاء (وكان استُصرخ) بضم التاء آخره معجمة مبنيًا للمفعول من الصراخ، وهو: الاستغاثة بصوت مرتفع (على امرأته: صفية بنت أبي عبيد) أخت المختار بن أبي عبيد الثقفي أي: أخبر بموتها بطريق مكة.
قال سالم: (فقلت له الصلاة) بالنصب على الإغراء أو بالرفع على الابتداء أي: الصلاة حضرت. أو: الخبرية، أي: هذه الصلاة، أي: وقتها. (فقال) عبد الله لسالم: (سر) أمر من سار يسير.
قال سالم: (فقلت: الصلاة) بالرفع والنصب، كما مر. ولأبي ذر: فقلت له: الصلاة (فقال) عبد الله له (سر، حتى سار ميلين أو ثلاثة) والميل أربعة آلاف خطوة، وهو ثلث فرسخ كما مر، والشك من الراوي (ثم نزل) أي: بعد غروب الشفق (فصلّى) أي: المغرب، والعتمة، جمع بينهما.
رواه المؤلّف في: كتاب الجهاد.
(ثم قال) عبد الله بن عمر: (هكذا رأيت النبي) ولأبي ذر، والأصيلي: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يصلّي إذا أعجله السير).
(وقال عبد الله) بن عمر (رأيت النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذا أعجله السير يؤخر المغرب) من: التأخير، وللمستملي والكشميهني: يعتم بعين مهملة ساكنة ثم فوقية مكسورة، بدل يؤخر، أي: يدخل في العتمة، وللأربعة: يقيم، بالقاف بدل العين من الإقامة (فيصلّيها) أي: المغرب (ثلاثًا) أي: ثلاث ركعات، إذ لا يدخل القصر فيها، وقد نقل ابن المنذر، وغيره في ذلك الإجماع.