النبل أو القصب، واسمه زياد بن فيروز على المشهور، وليس هو أبا العالية الرياحي (عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال):
(قدم النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأصحابه) مكة يوم الأحد (لصبح رابعة) من ذي الحجة، وخرج إلى منى: في الثامن، فصلّى بمكة إحدى وعشرين صلاة، من أول ظهر الرابع إلى آخر ظهر الثامن، فهي أربعة أيام ملفقة، وهذا موضع الترجمة، وإن لم يصرح في الحديث بغاية فإنها معروفة في الواقع.
أو المراد: إقامته إلى أن توجه إلى المدينة وهي عشرة أيام سواء، كما مر في حديث أنس.
وكنى بقوله (يلبون بالحج) عن الإحرام، والجملة حالية، أي: قدم، عليه السلام، وأصحابه، حال كونهم محرمين بالحج (فأمرهم) عليه الصلاة والسلام (أن يجعلوها) أي حجتهم (عمرة) وليس هذا من باب الإضمار قبل الذكر، لأن قوله: بالحج، يدل على الحجة (إلا من معه) وللكشميهني: إلا من كان معه (الهدي) بفتح الهاء وسكون الدال: ما يهدى من النعم تقربًا إلى الله تعالى.
ووجه استثناء المهدي أنه لا يجوز له التحلل {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196].
وفسخ الحج خاص بالصحابة الذين حجوا معه عليه الصلاة والسلام، كما رواه أبو داود، وابن ماجة.
ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: هدي بالتنكير.
ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم والنسائي في الحج.
(تابعه) أي: تابع أبا العالية (عطاء) أي: ابن أبي رباح في روايته (عن جابر) أي: ابن عبد الله، وهي موصولة عند المؤلّف في: باب التمتع والقران والإفراد، من كتاب الحج.
4 - باب فِي كَمْ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ؟
وَسَمَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا وَلَيْلَةً سَفَرًا
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهم- يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ، وَهْيَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا.
هذا (باب) بالتنوين (في كم يقصر) المصلي (الصلاة؟) بفتح المثناة التحتية وسكون القاف وضم الصاد، ولأبوي ذر، والوقت: تقصر الصلاة، بضم المثناة الفوقية وفتح القاف والصاد المشددة، وللأصيلي: تقصر الصلاة، بضم الفوقية وسكون القاف وفتح الصاد مخففة، مبنيًّا للمفعول فيهما.
والصلاة رفع نائب عنه فيهما أيضًا.
(وسمى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حديث هذا الباب (يومًا وليلة سفرًا) وللأربعة، وعزاها في الفتح لأبي ذر فقط: السفر يومًا وليلة، أي: وسمى مدة اليوم والليلة سفرًا.
(وكان ابن عمر) بن الخطاب (وابن عباس رضي الله عنهم)، مما وصله البيهقي بسند صحيح، (يقصران) بضم الصاد (ويفطران) بضم أوله وكسر الطاء (في أربعة برد) بضم الموحدة والراء وقد تسكن ذهابًا غير الإياب، ومثله إنما يفعل عن توقيف.
فلو قصد مكانًا على مرحلة بنية أن لا يقيم فيه، فلا قصر له ذهابًا ولا إيابًا، وإن نالته مشقة مرحلتين متواليتين، لما روى الشافعي بسند صحيح عن ابن عباس، أنه سئل: أتقصر الصلاة إلى عرفة؟ فقال: لا ولكن إلى عسفان، وإلى جدة، وإلى الطائف. فقدرها بالذهاب وحده.
وقد روي عنه مرفوعًا بلفظ: "يا أهل مكة! لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد، من مكة إلى عسفان". رواه الدارقطني، وابن أبي شيبة. لكن في إسناده ضعف من أجل عبد الوهاب بن مجاهد.
قال البخاري: (وهي) أي الأربعة برد (ستة عشر فرسخًا) يقينًا أو ظنًا، ولو باجتهاد، إذ كل بريد أربعة فراسخ، وكل فرسخ ثلاثة أميال، فهي: ثمانية وأربعون ميلاً هاشمية، نسبة لبني هاشم، لتقديرهم لها وقت خلافتهم بعد تقدير بني أمية لا هاشم نفسه، كما وقع للرافعي.
والميل من الأرض منتهى مد البصر، لأن البصر يميل عنه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه، وبذلك جزم الجوهري.
وقيل: أن ينظر إلى شخص في أرض مصطحبة، فلا يدري أهو رجل أو امرأة، أو هو ذاهب أو آت، وهو أربعة آلاف خطوة، والخطوة: ثلاثة أقدام، فهو اثنا عشر ألف قدم، وبالذراع ستة آلاف، والذراع أربعة وعشرون إصبعًا معترضات، والإصبع: ست شعيرات معتدلات معترضات، والشعيرة: ست شعرات من شعر البرذون.
وقد حرر بعضهم الذراع المذكور بذراع الحديد المستعمل الآن بمصر والحجاز، في هذه الأعصار فوجده ينقص عن ذراع الحديد بقدر الثمن، فعلى هذا، فالميل، بذراع الحديد على القول المشهور: خمسة آلاف ذراع ومايتان وخمسون ذراعًا. انتهى.
فمسافة القصر بالبرد أربعة، وبالفراسخ ستة عشر، وبالأميال ثمانية وأربعون ميلاً، وبالأقدام خمسمائة ألف وستة وسبعون ألفًا، وبالأذرع مائتا ألف وثمانية