والدابة، والدجال، والدخان، وغير ذلك ....
وأجيب: باحتمال أن يكون هذا قبل أن يعلمه الله تعالى بهذه العلامات، فهو يتوقع الساعة كل لحظة.
وعورض: بأن قصة الكسوف متأخرة جدًّا، فقد تقدم أن موت إبراهيم كان في العاشرة، كما اتفق عليه أهل الأخبار، وقد أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بكثير من الأشراط والحوادث قبل ذلك.
وقيل هو من باب التمثيل من الراوي، كأنه قال: فزغًا كالخاشي أن تكون القيامة وإلا فهو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عالم بأن الساعة لا تقوم وهو بين أظهرهم أو أن الراوي ظن أن الخشية لذلك لقرينة قامت عنده، لكن لا يلزم من ظنه أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خشي ذلك حقيقة، قال في المظهر: لم يعلم أبو موسى ما في قلبه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. اهـ.
وأجيب: بأن تحسين الظن بالصحابي يقتضي أنه لا يجزم بذلك إلا بتوقيف. وقيل إنه، عليه الصلاة والسلام، جعل ما سيقع كالواقع إظهارًا لتعظيم شأن الكسوف، وتنبيهًا لأمته أنه إذا وقع لهم ذلك كيف يخشون ويفزعون إلى ذكر الله، والصلاة، والصدقة ليدفع عنهم البلايا.
(فأتى المسجد، فصلّى بأطول قيام وركوع وسجود رأيته قط يفعله) بدون كلمة: ما، وقط، بفتح القاف وضم الطاء، لكن لا يقع، قط، إلا بعد الماضي المنفي، فحرف النفي هنا مقدر كقوله تعالى: {تَفْتَؤ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] أي: لا تفتؤ، ولا تزال تذكره تفجعًا، فحذف: لا، أو أن لفظ أطول، فيه معنى عدم المساواة، أي: بما لم يساو قط قيامًا رأيته يفعله، أو: قط، بمعنى حسب أي: صلّى في ذلك اليوم فحسب بأطول قيام رأيته يفعله، وتكون بمعنى: أبدًا لكن إذا كانت بمعنى: حسب، تكون القاف مفتوحة والطاء ساكنة.
قال في المصابيح: وموضع: رأيته، جر على الصفة، أما للمعطوف الأخير، وهو: سجود، وإما للمعطوف عليه أولاً، وهو قيام. وحذف رأيته من الأول الذي هو القيام لدلالة الثاني، أو بالعكس، قال: وإنما قلنا ذلك لأنه ليس في هذه الجملة ضمير غيبة إلا ما هو للواحد الذكر.
وقد تقدمت ثلاثة أشياء، فلا تصلح من حيث هي ثلاثة أن تكون معادًا له. وضمير الغيبة في: رأيته، يحتمل عوده على النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كما أن فاعل: يفعله، يعود الضمير عليه، ويحتمل أن يعود على ما عاد عليه المنصوب من: يفعله.
فإن قلت لِمَ لم تجعل الجملة صفة لأطول قيام وركوع وسجود، وأطول مفرد مذكر يصح عود الضمير المذكر عليه، ولا حاجة إلى الحذف؟
إذن قلت: لأنه يلزم أن يكون المعنى: أنه فعل في قيام الصلاة لكسوف الشمس وركوعها وسجودها مثل أطول شيء كان يفعله في ذلك في غيرها من الصلوات، ولم يفعل طولاً زائدًا على ما عهد منه في سواها، وليس كذلك، اللهم إلا أن يكون صلّى قبل هذه المرة لكسوف آخر، فيصدق حينئذ أنه فعل مثل أطول شيء كان يفعله لكنه يحتاج إلى ثبت فحرره. اهـ.
قلت: في أوائل الثقات لابن حبان: إن الشمس كسفت في السنة السادسة، فصلّى عليه الصلاة والسلام صلاة الكسوف، وقال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ... " الحديث. ثم كسفت في السنة العاشرة، يوم مات ابنه إبراهيم، (وقال) عليه الصلاة والسلام:
(هذه الآيات) أي: كسوف النيرين، والزلزلة، وهبوب الريح الشديدة (التي يرسل الله، لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوف الله به) أي: بالكسوف، وللأربعة: بهما، أي: بالكسفة أو الآيات (عباده) قال الله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] (فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فافزعوا إلى ذكره) بفتح زاي: افزعوا، وللحموي والمستملي: إلى ذكر الله. وهذا موضع الترجمة كما لا يخفى (ودعائه واستغفاره).
قَالَهُ أَبُو مُوسَى وَعَائِشَةُ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(باب الدعاء في الخسوف) كذا بالخاء، وعزاه الحافظ ابن حجر لكريمة وأبي الوقت، وفي الفرع وأصله عن أبي ذر والأصيلي في الكسوف وبالكاف.
(قاله) أي الدعاء فيه (أبو موسى) الأشعري، في حديثه السابق قريبًا (وعائشة) في حديثها الآتي، إن شاء الله تعالى في الباب الآتي (رضي الله عنهما، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
1060 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عِلاَقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَقُولُ: "انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ النَّاسُ انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ».
وبالسند قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي (قال: حدّثنا زائدة) بن قدامة الثقفي الكوفي. (قال: حدّثنا زياد بن علاقة) بكسر العين وبالقاف، الثعلبي، بالمثلثة ثم المهملة، الكوفي. وللأصيلي: عن