في الكسوف، وهل يقتصر على العتاقة، أو هي من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى؟ الظاهر الثاني لقوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] وإذا كانت من التخويف، فهي داعية إلى التوبة والمسارعة إلى جميع أفعال البر، كل على قدر طاقته.

ولما كان أشد ما يتوقع من التخويف: النار، جاء الندب بأعلى شيء يتقي به النار، لأنه قد جاء: من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها عضوًا منه من النار، فمن لم يقدر على ذلك فليعمل بالحديث العام، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: "اتقوا النار ولو بشق تمرة". ويأخذ من وجوه البر ما أمكنه، قاله ابن أبي جمرة.

12 - باب صَلاَةِ الْكُسُوفِ فِي الْمَسْجِدِ

(باب صلاة الكسوف في المسجد).

1055 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها: "أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْ تَسْأَلُهَا فَقَالَتْ: أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُعَذَّبُ النَّاسُ فِي قُبُورِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ".

وبالسند قال (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أُويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عمرة) بفتح العين، وسكون الميم (بنت) ولأبي ذر، في نسخة، ولأبي الوقت: ابنة (عبد الرحمن) بن سعد الأنصارية (عن عائشة رضي الله عنها):

(أن يهودية جاءت تسألها) عطية (فقالت) لها (أعاذك الله من عذاب القبر، فسألت عائشة) رضي الله عنها (رسول الله،-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أيعذب الناس في قبورهم؟ فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):

(عائذًا) أي: أعوذ عياذًا، أو: أعوذ حال كوني عائذًا (بالله) ولأبي ذر في نسخة: عائذ بالرفع، خبر لمحذوف أي: أنا عائذ بالله (من ذلك) أي من عذاب القبر.

1056 - "ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ غَدَاةٍ مَرْكَبًا فَكَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَرَجَعَ ضُحًى فَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ ظَهْرَانَىِ الْحُجَرِ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، وَقَامَ النَّاسُ وَرَاءَهُ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً، ثُمَّ رَكَعَ

رُكُوعًا طَوِيلاً، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ سُجُودًا طَوِيلاً، ثُمَّ قَامَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ وَهْوَ دُونَ السُّجُودِ الأَوَّلِ. ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ".

(ثم ركب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات غداة مركبًا) بسبب موت ابنه إبراهيم (فكسفت الشمس)، بفتح الكاف كمركبًا (فرجع) من الجنازة (ضُحًى) بالتنوين.

قال في الصحاح: تقول لقيته ضحى، وضحى إذا أردت به ضحى يومك لم تنوّنه، ثم بعده الضحاء ممدود مذكر، وهو عند ارتفاع النهار الأعلى.

(فمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين ظهراني الحجر) بفتح النون، ولا تقل: ظهرانيهم، بكسرها. والألف

والنون زائدتان، والحجر: بضم الحاء وفتح الجيم، بيوت أزواجه عليه الصلاة والسلام، وكانت لاصقة بالمسجد.

وعند مسلم من رواية سليمان بن بلال: عن يحيى، عن عمرة: فخرجت في نسوة بين ظهراني الحجر في المسجد، فأتى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، من مركبه حتى انتهى إلى مصلاه الذي كان يصلّي فيه ...

الحديث؛ فصرح بكونها في المسجد.

ودل على سنيتها فيه كونه رجع إلى المسجد، ولم يصلها في الصحراء. ولولا ذلك لكانت صلاتها في الصحراء أجدر برؤية الانجلاء. وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى.

(ثم قام) عليه الصلاة والسلام (فصلّى) صلاة الكسوف (وقام الناس وراءه) يصلون (فقام قيامًا طويلاً، ثم ركع ركوعًا طويلاً، ثم رفع فقام) ولأبي ذر في نسخة: وقام (قيامًا طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلاً، وهو دون الركوع الأول) من الركعة الأولى (ثم رفع، فسجد) ولأبي ذر في نسخة: ثم سجد (سجودًا طويلاً، ثم قام) إلى الركعة الثانية (فقام قيامًا طويلاً، وهو دون القيام الأول) من الركعة الأولى (ثم ركع ركوعًا طويلاً وهو دون الركوع الأول) من الأولى (ثم قام قيامًا طويلاً، وهو دون القيام الأول) من هذه الثانية (ثم ركع ركوعًا طويلاً، وهو دون الركوع الأول) من هذه الثانية، وسقط لأبي ذر من قوله: ثم ركع إلى قوله (ثم سجد وهو دون السجود الأول) من الركعة الأولى، وندب قراءة البقرة بعد الفاتحة، ثم موالياتها في القيامات كما مر.

(ثم انصرف) من الصلاة بعد التشهد بالتسليم (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ما شاء الله أن يقول) من أمره لهم: بالصدقة، والعتاقة، والذكر والصلاة (ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر) لعظم هوله، وأيضًا: فإن ظلمة الكسوف إذا عمت الشمس تناسب ظلمة القبر.

13 - باب لاَ تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ

رَوَاهُ أَبُو بَكْرَةَ وَالْمُغِيرَةُ وَأَبُو مُوسَى وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهم.

هذا (باب) بالتنوين: (لا تنكسف الشمس) بالكاف (لموت أحد ولا) تنكسف (لحياته).

(رواه) أي قوله: "لا تنكسف الشمس لموت أحد ولا لحياته"، هؤلاء الصحابة (أبو بكرة) نفيع بن الحرث (والمغيرة) بن شعبة، كما تقدم حديثهما في أول باب الكسوف، (وأبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري، كما سيأتي في الباب التالي (وابن عباس) عبد الله كما تقدم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015