ما الاستفهامية وهو قليل. كذا قاله الزركشي وغيره، وتعقبه في المصابيح بأنه لا داعي هنا إلى التخريج على ذلك، إذ يجوز أن تكون الباء بمعنى عن متعلقة بسأل نحو فاسأل به خبيرًا، وما موصولة والعائد محذوف، ثم أورد سؤالاً وهو أن أمر يتعدى بالباء إلى المفعول الثاني، تقول: أمرتك بكذا فالعائد حينئذ مجرور بغير ما جر به الموصول معنى، فيمتنع حذفه. وأجاب بأنه قد ثبت حذف حرف الجر من المفعول الثاني فينصب حينئذ نحو: أمرتك الخير، وعليه حمل جماعة من المغربين قوله تعالى: {مَاذَا تَأْمُرِينَ} [النمل: 33] فجملوا ماذا المفعول الثاني، وجعلوا الأوّل محذوفًا لفهم المعنى، أي تأمريننا. وإذا كان كذلك جعلنا العائد المحذوف منصوبًا ولا ضير اهـ.
(فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا و) أنه (ينهاكم عن عبادة الأوثان) جمع وثن بالمثلثة وهو الصنم واستفاده هرقل من قوله ولا تشركوا به شيئًا واتركوا ما يقول آباؤكم لأن مقولهم الأمر بعبادة الأوثان (و) أنه (يأمركم بالصلاة والصدق والعفاف) ولم يعرج هرقل على الدسيسة التي دسها أبو سفيان، وسقط هنا إيراد تقدير السؤال العاشر، والذي بعده جوابه وثبت ذلك جميعه في الجهاد كما سيأتي إن شاء الله تعالى. ثم قال هرقل لأبي سفيان: (فإن كان ما تقول حقًا) لأن الخبر يحتمل الصدق والكذب (فسيملك) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (موضع قدميّ هاتين) أرض بيت المقدس أو أرض ملكه. (وقد كنت أعلم أنه) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (خارج) قاله لما عنده من علامات نبوّته عليه الصلاة والسلام الثابتة في الكتب القديمة، وفي رواية سورة آل عمران فإن كان ما تقول حقًا فإنه نبي؛ وفي الجهاد وهذه صفة نبي، ووقع في أمالي المحاملي رواية الأصبهانيين من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن أبي سفيان أن صاحب بصرى أخذه وناسًا معه في تجارة، فذكر القصة مختصرة دون الكتاب وزاد في آخرها قال: فأخبرني هل تعرف صورته إذا رأيتها، قلت: نعم، قال: فأدخلت كنيسة لهم فيها الصور فلم أره ثم أدخلت أخرى فإذا أنا بصورة محمد وصورة أبي بكر (لم) بإسقاط الواو ولابن عساكر في نسخة ولم (أكن أظن أنه منكم) أي من قريش (فلو أني أعلم أني) وسقطت أني الأولى في نسخة، ولأبي الوقت إنني (أخلص) بضم اللام أي أصل (إليه لتجشمت) بالجيم والشين المعجمة أي لتكلفت (لقاءه) على ما فيه من المشقة، وهذا التجشم كما قاله ابن بطال هو الهجرة وكانت فرضًا قبل الفتح على كل مسلم، وفي مرسل ابن إسحق عن بعض أهل العلم أن هرقل قال: ويحك والله إني لأعلم أنه نبي مرسل ولكني أخاف الروم على نفسي، ولولا ذلك لاتبعته، ونحوه عند الطبراني بسند ضعيف فقد خاف هرقل على نفسه أن يقتله الروم كما جرى لغيره وخفي عليه قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الآتي أسلم تسلم، فلو حمل الجزاء على عمومه في الدارين لسلم لو أسلم من جميع المخلوف .. (ولو كنت عندما) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لغسلت عن قدميه) مما لعله يكون عليهما. قاله مبالغة في الخدمة أو لأزلت عنهما كقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] قال الزمخشري: أي الذين يصدّون عن أمره، وقال غيره: عدي بعن لأن في المخالفة معنى التباعد والحيد، كأن المعنى الذين يحيدون عن أمره بالمخالفة والإتيان بعن أبلغ للتنبيه على هذا الغرض. وفي باب دعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الناس إلى الإسلام والنبوّة، ولو كنت عنده لغسلت قدميه. وفي رواية عن
عبد الله بن شدّاد عن أبي سفيان لو علمت أنه هو لمشيت إليه حتى أقبل رأسه وأغسل قدميه. وزاد فيها ولقد رأيت جبهته يتحادر عرقها من كرب الصحيفة يعني لما قرىء عليه الكتاب، وتثنية قدميه رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر والأصيلي. وفي رواية قدمه بالإفراد.
قال أبو سفيان: (ثم دعا) هرقل (بكتاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي من وكّل ذلك إليه، ولهذا عدي إلى الكتاب بالباء كذا قرره في الفتح. وقال العيني: الأحسن أن يقال: ثم دعا من أتى بكتاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-