وقال ابن قدامة: لم يبلغنا عن أحد ذلك؟ وقال الحنفية والمالكية: لا خطبة فيها، وعلله صاحب الهداية من الحنفية: بأنه لم ينقل.
وأجيب: بأن الأحاديث ثابتة فيه، وهي ذات كثرة على ما لا يخفى.
وعلله بعضهم بأن خطبته عليه الصلاة والسلام، إنما كانت للرد عليهم في قولهم: إن ذلك لموت إبراهيم، فعرفهم أن ذلك لا يكون لموت أحد ولا لحياته. وعورض بما في الأحاديث الصحيحة من التصريح بالخطبة، وحكاية شرائطها من: الحمد، والثناء، والموعظة، وغير ذلك مما تضمنته الأحاديث، فلم يقتصر على الإعلام بسبب الكسوف، والأصل مشروعية الاتباع.
والخصائص لا تثبت إلا بدليل، والمستحب أن تكون خطبتين كالجمعة في الأركان، فلا تجزئ واحدة.
(ثم قال) عليه الصلاة والسلام في الخطبة:
(هما) أي كسوف الشمس والقمر (آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموها) أي: كسوف الشمس والقمر، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: رأيتموها، بالإفراد، أي: الكسفة (فافزعوا) بفتح الزاي، أي التجئوا وتوجهوا (إلى الصلاة) المعهودة الخاصة، السابق فعلها منه عليه الصلاة والسلام، قبل الخطبة، لأنها ساعة خوف.
ورواة هذا الحديث كلهم: مصريون بالميم، إلا الزهري، وعروة: فمدنيان، وفيه التحديث، والعنعنة، والقول، وأخرجه أيضًا في: الصلاة، ومسلم: في الكسوف، وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجة.
قال الزهري، عطفًا على قوله: حدّثني عروة (وكان يحدث كثير بن عباس) بن عبد المطلب الهاشمي، أبو تمام، صحابي صغير، وهو بالمثلثة والرفع: اسم كان، وخبرها يحدث مقدمًا، أي: وكان كثير يحدث (أن) أخاه لأبيه (عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، كان يحدث يوم خسفت
الشمس) بفتح الخاء والسين (بمثل حديث عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها في مسلم، عن عروة، عنها أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جهر في صلاة الخسوف بقراءته، فصلّى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات.
قال الزهري: وأخبرني كثير بن عباس، عن ابن عباس، عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه صلّى أربع ركعات
في ركعتين وأربع سجدات ... الحديث.
قال الزهري (فقلت لعروة) بن الزبير بن العوام الفقيه التابعي، المتوفى سنة أربع وتسعين ومائة: (إن أخاك) أي عبد الله بن الزير بن العوام الصحابي، رضي الله عنه، (يوم خسفت الشمس بالمدينة) بفتح الخاء والسين (لم يزد على) صلاة (ركعتين مثل) صلاة (الصبح) في العدد والهيئة.
(قال) عروة: (أجل) يعني: نعم، صلّى كذلك (لأنه أخطأ السنة) ولأبي الوقت من غير اليونينية: إنه أخطأ السنة، أي: جاوزها سهوًا، أو عمدًا بأن أدى اجتهاده إلى ذلك، لأن السنة أن يصلّي في كل ركعة ركوعان. نعم، ما فعله عبد الله يتأدى به أصل السنة، وإن كان فيه تقصير بالنسبة إلى كمال السنة.
فإن قلت: الأولى الأخذ بفعل عبد الله لكونه صحابيًا، لا بقول أخيه عروة التابعي.
أجيب: بأن قول عروة: السنة كذا، وإن قلنا إنه مرسل على الصحيح. لكن قد ذكر عروة مستنده في ذلك، وهو خبر عائشة المرفوع، فانتفى عنه احتمال كونه موقوفًا أو منقطعًا. فترجح المرفوع على الموقوف، فلذلك حكم على صنيع أخيه بالخطأ بالنسبة إلى الكمال. والله أعلم.
هذا (باب) بالتنوين (هل يقول) القائل (كسفت الشمس) بالكاف (أو) يقول (خسفت) بالخاء المعجمة. زاد ابن عساكر فقال: أو خسفت الشمس.
قيل أورده ردًا على المانع من إطلاقه بالكاف على الشمس. رواه سعيد بن منصور بإسناد صحيح موقوف عن عروة من طريق الزهري بلفظ: لا تقولوا: كسفت الشمس، ولكن قولوا: خسفت. والأصح أن الكسوف والخسوف المضافين للشمس والقمر بمعنى يقال: كسفت الشمس والقمر، وخسفتا بفتح الكاف والخاء مبنيًّا للفاعل، و: كسفًا وخسفًا: بضمهما مبنيًّا للمفعول وانكسفا وانخسفا، انفعل، ومعنى المادتين واحد، أو يختص ما بالكاف بالشمس، وما بالخاء بالقمر.
وهو المشهور على ألسنة الفقهاء.
واختاره ثعلب، وادعى الجوهري أفصحيته، ونقل عياض عكسه، وعورض بقوله تعالى: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [القيامة: 8] ويدل