المهملة وتشديد المثناة التحتية، وهو المطر الذي يصوب، أي ينزل ويقع. وفيه مبالغات من جهة التركيب والبناء والتكثير، فدلّ على أنه نوع من المطر شديد هائل، ولذا تممه بقوله: (نافعًا) صيانة عن الأضرار والفساد. ونحوه قول الشاعر:
فسقى ديارك غير مفسدها ... صوب الربيع وديمة تهمي
لكن نافعًا في الحديث أوقع وأحسن، وأنفع من قوله: غير مفسدها.
قال في المصابيح: وهذا، أي قوله: "صيّبًا نافعًا" كالخبر الموطئ في قولك: زيد رجل فاضل، إذ الصفة هي المقصودة بالإخبار بها، ولولا هي لم تحصل الفائدة. هذا إن بنينا على قول ابن عباس: إن الصيب هو: المطر. وإن بنينا على أنه: المطر الكثير، كما نقله الواحدي، فكل من: صيبًا ونافعًا مقصود، والاقتصار عليه محصل للفائدة اهـ.
وللمستملي: اللهم صبّا بالموحدة المشددة من غير مثناة من الصب، أي: يا ألله اصببه صبّا نافعًا.
(تابعه القاسم بن يحيى) بن عطاء المقدمي الهلالي الواسطي، المتوفى سنة سبع وتسعين ومائة (عن عبيد الله) العمري المذكور، يعني: بإسناده قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على هذه الرواية موصولة.
(ورواه) أي الحديث المذكور (الأوزاعي)، عبد الرحمن بن عمرو، وفيما أخرجه النسائي في: عمل يوم وليلة، وأحمد: لكن بلفظ: هنيئًا بدل نافعًا. (و) رواه (عقيل) بضم العين وفتح القاف، ابن خالد، فيما ذكره الدارقطني، (عن نافع) مولى ابن عمر كذلك، وغاير بين قوله: تابعه، ورواه، لإفادة العموم في الثاني لأن الرواية أعم من أن تكون على سبيل المتابعة أم لا، أو: للتفنن في العبارة.
والحديث فيه رازيان، والثلاثة مدنيون. وفه رواية تابعي عن تابعي عن صحابية، والتحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه النسائي في: عمل يوم وليلة، وابن ماجة: في الدعاء.
(باب من تمطّر في المطر) بتشديد الطاء كتفعل، أي: تعرض للمطر، وتطلب نزوله عليه (حتى يتحادر) المطر (على لحيته) لأنه حديث عهد بربه كما في مسلم أي: قريب العهد بتكوين ربه، ولم
تمسه الأيدي الخاطئة ولم تكدره ملاقاة أرض عبد عليها غير الله تعالى. ولله در القائل:
تضوع أرواح نجد من ثيابهم ... عند القدوم لقرب العهد بالدار
1033 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: "أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا أَنْ يَسْقِيَنَا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَيْهِ وَمَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ. قَالَ: فَثَارَ سَحَابٌ أَمْثَالُ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ. قَالَ: فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ وَفِي الْغَدِ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ وَالَّذِي يَلِيهِ إِلَى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى. فَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ أَوْ رَجُلٌ غَيْرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ وَغَرِقَ الْمَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا. قَالَ: فَمَا جَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلاَّ تَفَرَّجَتْ، حَتَّى صَارَتِ الْمَدِينَةُ فِي مِثْلِ الْجَوْبَةِ، حَتَّى سَالَ الْوَادِي -وَادِي قَنَاةَ- شَهْرًا، قَالَ: فَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلاَّ حَدَّثَ بِالْجَوْدِ".
وبالسند قال: (حدّثنا محمد) ولأبوي ذر؟ والوقت، وابن عساكر: محمد بن مقاتل (قال: أخبرنا عبد الله) ولأبي ذر: عبد الله بن المبارك (قال: أخبرنا الأوزاعي) أبو عمرو، عبد الرحمن (قال: حدّثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري) المدني (قال: حدّثني) بالإفراد (أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال):
(أصابت الناس سنة) بفتح السين أي: شدة وجهد من الجدب، فاعل مؤخر، (على عهد رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فبينا) بغير ميم بعد النون (رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يخطب على المنبر يوم الجمعة، قام أعرابي) من أهل البدو، لا يعرف اسمه (فقال: يا رسول الله! هلك المال) ألفه منقلبة عن واو بدليل ظهورها في الجمع.
وإنما جمع وإن كان اسم جنس، لاختلاف أنواعه، وهو: كل ما يتملك وينتفع به. والمراد به هنا: مال خاص، وهو ما يتضرر بعدم المطر من الحيوان والنبات، لكن لا مانع من حمله على عمومه على معنى: أن شدة الغلاء تذهب أموال الناس في شراء ما يقتاتون به، فقد هلكت الأموال. وإن اختلف السبب.
(وجاع العيال) لقلة الأقوات أو عدمها بحبس المطر (فادع الله لنا أن يسقينا).
(قال) أنس: (فرفع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يديه) أي: حتى رئي بياض إبطيه (وما في السماء قزعة) بفتحات، قطعة من سحاب (قال) أنس: (فثار السحاب) بالمثلثة، وفى نسخة اليونينية: سحاب،
أي: هاج (أمثال الجبال) لكثرته (ثم لم ينزل) عليه الصلاة والسلام (عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته) المقدسة، وهذا موضع الترجمة، لأن تفعّل، في قوله: تمطر، كما قال في الفتح: الأليق به هنا أن يكون بمعنى مواصلة العمل في مهلة، نحو: تفكّر.
وكأن المؤلّف أراد أن يبين أن تحادر المطر على لحيته عليه