هو الأول (إلى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: يا رسول الله! تهدمت البيوت) من كثرة المطر (وتقطعت السبل) بالمثناة الفوقية وتشديد الطاء أي: تعذر سلوكها (وهلكت المواشى) فادع الله يمسكها (فقال رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(اللهم) أي: يا الله انزل المطر (على ظهور الجبال والاكام) بكسر الهمزة جمع: أكمة، بفتحها: ما غلظ من الأرض ولم يبلغ أن يكون جبلاً وكان أكبر ارتفاعًا مما حوله. ويروى: الآكام بفتح الهمزة ومدها، والاكم بضم الهمزة والكاف. جمع: إكام ككتاب وكتب (وبطون الأودية، ومنابت الشجر) جمع منبت بكسر الموحدة، أي: ما حولها مما يصلح أن ينبت فيه، لأن نفس النبت لا يقع عليه المطر.
(فانجابت) أي: السحب الممطرة (عن المدينة انجياب الثوب).
فإن قلت: تقدم باب: سؤال الناس الإمام إذا قحطوا، فما الفرق بينه وبين هذا الباب؟.
أجاب الزين بن المنير: بأن الأولى لبيان ما على الناس أن يفعلوه إذا احتاجوا للاستسقاء. والثانية: لبيان ما على الإمام من إجابة سؤالهم.
وأجاب ابن المنير أيضًا عن السر في كونه عليه الصلاة والسلام لم يبدأ بالاستسقاء حتى سألوه، مع أنه عليه الصلاة والسلام، أشفق عليهم منهم، وأولى بهم من أنفسهم، بأن مقامه عليه الصلاة والسلام التوكل والصبر على البأساء والضراء، ولذلك كان أصحابه الخواص يقتدون به، وهذا المقام لا يصل إليه العامة وأهل البوادي، ولهذا، والله أعلم، كان السائل في الاستسقاء بدويًّا، فلما سألوه أجاب رعاية لهم وإقامة لسنة هذه العبادة فيمن بعده من أهل الأزمنة التي يغلب على أهلها الجزع، وقلة الصبر على اللأواء، فيؤخذ منه أن الأفضل للأئمة الاستسقاء، ولن ينفرد بنفسه، بصحراء أو سفينة، الصبر والتسليم للقضاء، لأنه عليه الصلاة والسلام قبل السؤال فوّض ولم يستسق.
هذا (باب) بالتنوين (إذا استشفع المشركون بالمسلمين عند القحط).
1020 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ وَالأَعْمَشُ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: "إِنَّ قُرَيْشًا أَبْطَئُوا عَنِ الإِسْلاَمِ، فَدَعَا عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا، وَأَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ. فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، جِئْتَ تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّ قَوْمَكَ هَلَكُوا، فَادْعُ اللَّهَ تَعَالَى. فَقَرَأَ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} ثُمَّ عَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} يَوْمَ بَدْرٍ -قَالَ وَزَادَ أَسْبَاطٌ عَنْ مَنْصُورٍ-: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسُقُوا الْغَيْثَ، فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ سَبْعًا. وَشَكَا النَّاسُ كَثْرَةَ الْمَطَرِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا. فَانْحَدَرَتِ السَّحَابَةُ عَنْ رَأْسِهِ، فَسُقُوا النَّاسُ حَوْلَهُمْ".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي البصري (عن سفيان) الثوري (قال: حدّثنا منصور والأعمش) سليمان بن مهران، كلاهما (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح بالتصغير (عن مسروق) هو: ابن الأجدع (قال: أتيت ابن مسعود) عبد الله رضي الله عنه.
وفي سورة الروم من التفسير عن مسروق قال: بينما رجل يحدث في كندة فقال: يجيء دخان يوم القيامة، فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم، يأخذ المؤمن كهيئة الزكام، ففزعنا، فأتيت ابن مسعود (فقال:).
(إن قريشًا أبطأوا) أي: تأخروا (عن الإسلام) ولم يبادروا إليه (فدعا عليهم النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فقال
(اللهم أعني عليهم بسع كسبع يوسف) (فأخذتهم سنة) بفتح السين، أي: جدب وقحط (حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام) ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان من ضعف بصره بسبب الجوع.
(فجاءه أبو سفيان) صخر بن حرب (فقال: يا محمد، جئت تأمر بصلة الرحم، وإن قومك) ذوي رحمك (هلكوا) وللكشميهني: قد هلكوا، أي: بدعائك عليهم من الجدب والجوع (فادع الله تعالى) لهم، فإن كشف عنا نؤمن بك (فقرأ) عليه الصلاة والسلام ({فارتقب}) أي: انتظر لهم ({يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}) [الدخان: 10] زاد أبو ذر: الآية.
(ثم عادوا) لما كشف الله عنهم (إلى كفرهم) فابتلاهم الله تعالى بيوم البطشة (فذلك قوله تعالى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} [الدخان: 16] يوم بدر) أو: يوم القيامة، زاد الأصيلي {إنا منتقمون}.
والعامل في: يوم، فعل: دل عليه: إنّا منتقمون، لأن إن مانع من عمله فيما قبله، أو: بدل
من يوم تأتي، وهذا يدل على أن مجيء أبي سفيان إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان قبل الهجرة، لأنه لم ينقل أن أبا سفيان قدم المدينة قبل بدر.
(قال) أي: البخاري (وزاد) ولابن عساكر: قال أبو عبد الله وسقط ذلك كله لأبي ذر، واقتصر على قوله: وزاد (أسباط) بفتح الهمزة وسكون المهملة وبالموحدة آخره طاء مهملة، ابن نصر، لا: أسباط بن محمد (عن منصور) عن أبي الضحى، يعني بإسناده السابق.
(فدعا رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فسقوا الغيث) بضم السين والقاف، مبنيًّا للمفعول،