لغة بلغة، يعني أرسل إليه
رسولاً أحضره بصحبته أو كان حاضرًا واقفًا في المجلس كلما جرت به عادة ملوك الأعاجم، ثم أمره بالجلوس إلى جنب أبي سفيان ليعبر عنه بما أراد، ولم يسم الترجمان. ثم قال هرقل للترجمان قل لهم أيكم أقرب (فقال) الترجمان (أيكم أقرب نسبًا لهذا الرجل) ضمن أقرب معنى اقعد فعدّاه بالباء، وعند مسلم المؤلف في آل عمران من هذا الرجل وهو على الأصل، وفي الجهاد إلى هذا الرجل ولا إشكال فيها، فإن أقرب يتعدى بإلى. قال الله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ} [ق: 16] والمفضل عليه محذوف أي من غيره، وزاد ابن السكن الذي خرج بأرض العرب (الذي يزعم)، وعند ابن إسحق عن الزهري يدّعي (أنه نبيّ فقال) بالفاء، ولأبي الوقت وابن عساكر والأصيلي قال (أبو سفيان: قلت) وفي رواية كما في اليونينية بغير رقم فقلت بزيادة الفاء (أنا أقربهم نسبًا). وللأصيلي كما في الفرع كأصله أنا أقربهم به نسبًا أي من حيث النسب، وأقربية أبي سفيان لكونه من بني عبد مناف وهو الأب الرابع للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولأبي سفيان، وخصّ هرقل الأقرب لكونه أحرى بالاطّلاع على ظاهره وباطنه أكثر من غيره، ولأن الأبعد لا يؤمن أن يقدح في نسبه بخلاف الأقرب، لكن قد يقال: إن القريب متهم في الإخبار عن نسب قريبه بما يقتضي شرفًا وفخرًا، ولو كان عدوًّا له لدخوله في شرف النسب الجامع لهما، (فقال) أي هرقل، وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر عن الحموي قال: (أدنوه مني) بهمزة قطع مفتوحة كما في الفرع، وإنما أمر بإدناء أبي سفيان ليمعن في السؤال ويشفي غليله. (وقرّبوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره) لئلا يستحيوا أن يواجهوه بالتكذيب إن كذب كما صرح به الواقدي في روايته. (ثم قال) هرقل (لترجمانه: قل لهم) أي لأصحاب أبي سفيان (إني سائل هذا) أي أبا سفيان (عن هذا الرجل) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأشار إليه إشارة القريب لقرب العهد بذكره أو لأنه معهود في أذهانهم (فإن كذبني) بالتخفيف أي إن نقل إليّ الكذب (فكذبوه) بتشديد الذال المعجمة المكسورة، قال التيمي كذب بالتخفيف يتعدّى إلى مفعولين مثل صدق تقول كذبني الحديث وصدقني الحديث، وكذب بالتشديد يتعدى إلى مفعول واحد وهما من غرائب الألفاظ لمخالفتهما الغالب، لأن الزيادة تناسب الزيادة وبالعكس والأمر هنا بالعكس اهـ.
(قال) أي أبو سفيان وسقط لفظ قال لكريمة وأبي الوقت كذا هي ساقطة من اليونينية مطلقًا، (فوالله لولا الحياء) وفي نسخة كريمة لولا أن الحياء: (من أن يأثروا عليّ) بضم المثلثة وكسرها، وعلي بمعنى عني أي رفقتي يروون عني (كذبًا) بالتنكير، وفي غير الفرع وأصله الكذب فأعاب به لأنه قبيح ولو على عدوّ (لكذبت عنه). لأخبرت عن حاله بكذب لبغضي اياه. وللأصيلي وأبوي الوقت وذر عن الحموي لكذبت عليه. (ثم كان أوّل ما سألني عنه) بنصب أوّل في فرع اليونينية كهي، قال في الفتح: وبه جاءت الرواية وهو خبر كان واسمها ضمير الشأن وقوله الآتي إن قال، بدل من قوله ما سألني عنه. ويجوز أن يكون إن قال اسم ان، وقوله أوّل ما سألني خبره وتقديره، ثم كان قوله كيف نسبه فيكم أوّل ما سألني عنه، ويجوز رفعه اسمًا لكان، وذكر العيني وروده رواية ولم يصرح به في الفتح، إنما قال: ويجوز رفعه على الاسمية وخبره قوله (أن قال كيف نسبه) عليه الصلاة والسلام (قيكم) أي ما حال نسبه أهو من أشرافكم أم لا؟ لكن قال العلاّمة البدر الدماميني: إن جواز
النصب والرفع لا يصح على إطلاقه، وإنما الصواب التفصيل، فإن جعلنا ما نكرة بمعنى شيء تعين نصبه على الخبرية، وذلك لأن إن قال وأوّل ما سألني هو الخبر ضرورة أنه متى اختلف الاسمان تعريفًا وتنكيرًا فالمعرف الاسم والمنكر الخبر، ولا بعكس إلاّ في الضرورة. وإن جعلناها موصولة جاز الأمران، لكن المختار جعل أن قال هو الاسم لكونه أعرف اهـ.
قال أبو سفيان: (قلت هو فينا ذو نسب) أي