تشتمل على يوم عرفة وقد روي: أنه أفضل أيام الدنيا، والأيام إذا أطلقت دخلت فيها الليالي تبعًا، وقد أقسم الله تعالى بها، فقال:

{وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1 - 2] وقد زعم بعضهم: أن ليالي عشر رمضان: أفضل من لياليه لاشتمالها على ليلة القدر.

قال الحافظ ابن رجب: وهذا بعيد جدًّا، ولو صح حديث أبي هريرة، المروي في الترمذي: "قيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر". لكان صريحًا في تفضيل لياليه على ليالي عشر رمضان، فإن عشر رمضان فضل بليلة واحدة، وهذا جمع لياليه متساوية.

والتحقيق ما قاله بعض أعيان المتأخرين من العلماء: إن مجموع هذا العشر أفضل من مجموع عشر رمضان، وإن كان في عشر رمضان ليلة لا يفضل عليها غيرها. انتهى.

واستدلّ به على فضل صيام عشر الحجة لاندراج الصوم في العمل، وعورض بتحريم صوم يوم العيد.

وأجيب: بحمله على الغالب، ولا ريب أن صيام رمضان أفضل من صوم العشر، لأن فعل الفرض أفضل من النفل من غير تردّد، وعلى هذا فكل ما فعل من فرض في العشر فهو أفضل من فرض فعل في غيره، وكذا النفل.

(قالوا): يا رسول الله (ولا الجهاد)؟ أفضل منه، وزاد أبو ذر: في سبيل الله (قال) عليه الصلاة والسلام.

(ولا الجهاد) في سبيل الله، ثم استثنى جهادًا واحدًا هو أفضل الجهاد فقال: (إلا رجل خرج) أي: إلا عمل رجل. فهو مرفوع على البدل، والاستثناء متصل، وقيل: منقطع أي: لكن رجل خرج يخاطر بنفسه فهو أفضل من غيره أو مساوٍ له.

وتعقبه في المصابيح بأنه: إنما يستقيم على اللغة التميمية، وإلا فالمنقطع عند غيرهم واجب النصب.

ولأبي ذر، عن المستملي: إلا من خرج حال كونه (يخاطر) من المخاطرة، وهي ارتكاب ما فيه خطر (بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء) من ماله، وإن رجع هو أو لم يرجع هو ولا ماله، بأن ذهب ماله واستشهد. كذا قرره ابن بطال.

وتعقبه الزين بن المنير بأن قوله فلم يرجع بشيء، يستلزم أنه يرجع بنفسه ولا بد.

وأجيب: بأن قوله: "فلم يرجع بشيء" نكرة في سياق النفي فتعمّ ما ذكره.

وعند أبي عوانة من طريق إبراهيم بن حميد عن شعبة: إلا من عقر جواده، وأهريق دمه وعنده، من رواية القاسم بن أيوب: إلا من لا يرجع بنفسه ولا ماله.

وفي هذا الحديث أن العمل المفضول في الوقت الفاضل يلتحق بالعمل الفاضل في غيره، ويزيد عليه لمضاعفة ثوابه وأجره.

ورواته كوفيون إلا شيخه فبصري، والثاني بسطامي، وفيه التحديث، والعنعنة، وأخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة: في الصيام، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب.

12 - باب التَّكْبِيرِ أَيَّامَ مِنًى، وَإِذَا غَدَا إِلَى عَرَفَةَ

وَكَانَ عُمَرُ -رضي الله عنه- يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الأَسْوَاقِ حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ بِمِنًى تِلْكَ الأَيَّامَ وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَعَلَى فِرَاشِهِ وَفِي فُسْطَاطِهِ وَمَجْلِسِهِ وَمَمْشَاهُ تِلْكَ الأَيَّامَ جَمِيعًا. وَكَانَتْ مَيْمُونَةُ تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَكُنَّ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزَ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ.

(باب التكبير أيام منى) يوم العيد، الثلاثة بعده. (و) التكبير (إذا غدا) صبيحة التاسع (إلى عرفة) للوقوف بها.

(وكان عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه) مما وصله سعيد بن منصور، من رواية عبيد بن عمير عنه، وأبو عبيدة من وجه آخر، والبيهقي من طريقه، ولأبي ذر مما في فرع اليونينية: وكان ابن عمر (يكبر في قبته) بضم القاف وتشديد الموحدة، بيت صغير من الخيام مستدير من بيوت العرب (بمنى) في أيامها (فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق) بتكبيره (حتى ترتج منى) بتشديد الجيم، أي: تضطرب وتتحرك مبالغة في اجتماع رفع الأصوات (تكبيرًا) بالنصب، أي: لأجل التكبير.

وقد أبدى الخطابي للتكبير أيام منى حكمة وهي: أن الجاهلية كانوا يذبحون لطواغيتهم فيها، فشرع التكبير فيها إشارة إلى تخصيص الذبح له، وعلى اسمه عز وجل.

(وكان ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما، مما وصله ابن المنذر، والفاكهي في أخبار مكة، من طريق ابن جريج أخبرني نافع أن ابن عمر كان (يكبر بمنى تلك الأيام) أي: أيام منى (وخلف الصلوات) المكتوبات وغيرها (وعلى فراشه) بالإفراد، وللحموي والمستملي: وعلى فراشه، (وفي فسطاطه) بضم الفاء وقد تكسر: بيت من شعر (ومجلسه وممشاه) بفتح الميم الأولى، موضع مشيه (تلك الأيام) ظرف للمذكورات. أي: في تلك الأيام وكررها للتأكيد والمبالغة، ثم أكد ذلك أيضًا بقوله (جميعًا).

ويروي، وتلك بواو العطف (وكانت ميمونة) بنت الحرث الهلالية المتوفاة بسرف، بين مكة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015