(وأن يستن) عطف على معنى الجملة السابقة، و: أن مصدرية، أي: والاستنان. والمراد بذلك الاستنان بالسواك و (وأن يمس طيبًا إن وجد) الطيب، أو السواك والطيب، وقوله: يمس، بفتح الميم.
(قال عمرو) المذكور بالإسناد السابق إليه (أما الغسل فأشهد أنه واجب) أي كالواجب في التأكيد (وأما الاستنان والطيب، فالله أعلم أواجب هو أم لا؟ ولكن هكذا في الحديث) أشار به إلى العطف لا يقتضي التشريك من جميع الوجوه، فكان القدر المشترك تأكيدًا لطلب للثلاثة، وجزم بوجوب الغسل دون غيره للتصريح به في الحديث، وتوقف فيما عداه لوقوع الاحتمال فيه.
وقوله: واجب، أي مؤكد كالواجب، كما مر ... كذا حمله الأكثرون على ذلك بدليل عطف الاستنان والطيب عليه، المتفق على عدم وجوبهما، فالمعطوف عليه كذلك.
ورواة هذا الحديث ما بين بصري وواسطي ومدني، وفيه التحديث والقول، ولفظ: أشهد، وأخرجه مسلم وأبو داود في الطهارة.
(قال أبو عبد الله) البخاري: (هو) أي: أبو بكر بن المنكدر السابق في السند (أخو محمد بن المنكدر) لكنه أصغر منه (ولم يسم) بالبناء للمفعول (أبو بكر هذا) الراوي هنا بغير أبي بكر، بخلاف أخيه محمد، فإنه، وإن كان يكنّى أبا بكر، لكن كان مشهورًا باسمه دون كنيته (رواه) أي الحديث المذكور، ولأبي ذر في غير اليونينية: روى (عنه) أي عن أبي بكر بن المنكدر (بكير بن الأشج) بضم الموحدة وفتح الكاف مصغرًا وفتح الشين المعجمة بعد الهمزة المفتوحة آخره جيم، (وسعيد بن أبي هلال، وعدة) أي عدد كثير من الناس.
قال الحافظ ابن حجر: وكأن المراد أن شعبة لم ينفرد برواية هذا الحديث عنه، لكن بين رواية بكير وسعيد مخالفة في موضع من الإسناد فرواية بكير موافقة لرواية شعبة، ورواية سعيد أدخل فيها بين عمرو بن سليم وأبي سعيد واسطة، كما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق عمرو بن الحرث: أن سعيد بن أبي هلال، وبكير بن الأشج حدّثناه عن أبي بكر بن المنكدر، عن عمرو بن سليم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه: وقال في آخره: إلا أن بكيرًا لم يذكر عبد الرحمن. فانفرد سعيد بن أبي هلال بزيادة عبد الرحمن. اهـ.
(وكان محمد بن المنكدر يكنى بأبي بكر، وأبي عبد الله) وقد سقط من قول: قال أبو عبد الله إلخ. في رواية ابن عساكر.
(باب فضل الجمعة) شامل لليوم والصلاة.
881 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن سميّ) بضم المهملة وفتح الميم (مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي صالح) ذكوان (السمان) نسبة إلى بيعه، (عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(من اغتسل يوم الجمعة) من ذكر أو أنثى، حرّ أو عبد (غسل الجنابة) بنصب اللام، صفة لمصدر محذوف، أي: غسلاً كغسل الجنابة. وعند عبد الرزاق من رواية ابن جريج، عن سميّ: "فاغتسل أحدكم كما يغتسل من الجنابة" فالتشبيه للكيفية لا للحكم، أو أشار به إلى الجماع يوم الجمعة، ليغتسل فيه من الجنابة، ليكون أغضّ لبصره، وأسكن لنفسه في الرواح إلى الجمعة. ولا تمتد عينه إلى شيء يراه (ثم راح) أي ذهب، زاد في الموطأ: في الساعة الأولى. وصحح النووي، رحمه الله وغيره، إنها من طلوع الفجر، لأنه أول اليوم شرعًا: لكن يلزم منه أن يكون التأهب قبل طلوع الفجر. وقد قال الشافعي، رحمه الله: يجزئ الغسل إذا كان بعد الفجر، فأشعر بأن الأولى أن يقع بعد ذلك. (فكأنما قرّب بدنة) من الإبل، ذكرًا أم أُنثى، والتاء للوحدة لا للتأنيث، أي: تصدق بها متقربًا إلى الله تعالى. وفي رواية ابن جريج عند عبد الرزاق: فله من الأجر مثل الجزور،
وظاهره: أن الثواب لو تجسد لكان قدر الجزور. (ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرّب بقرة) ذكرًا أو أُنثى، والتاء للوحدة، (ومن راح في الساعة الثالثة، فكأنما قرب كبشًا) ذكرًا (أقرن) وصفه به لأنه أكمل وأحسن صورة، ولأن قرنه ينتفع به. وفي رواية النسائي: ثم كالمهدي شاة. (ومن راح في الساعة الرابعة، فكأنما