يكره له المكث قاعدًا يشتغل بالدعاء، والصلاة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والتسبيح قبل أن يصلّي السُّنّة. لأن القيام إلى السُّنّة بعد أداء الفريضة أفضل من الدعاء والتسبيح والصلاة، ولأن الصلاة مشتقة من المواصلة، وبكثرة الصلاة يصل العبد إلى مقصوده هـ. من المحيط.

وأما الصلاة التي لا يتنفل بعدها: كالعصر، فيتشاغل الإمام ومن معه بالذكر المأثور، ولا يتعين له مكان، بل إن شاؤوا انصرفوا وذكروا، وإن شاؤوا مكثوا وذكروا.

وعلى الثاني: إن كان للإمام عادة أن يعلمهم أو يعظهم فيستحب أن يقبل عليهم جميعًا، وإن كان لا يزيد على الذكر المأثور، فهل يقبل عليهم جميعًا أو ينتقل فيجعل يمينه من قبل المأمومين ويساره من قبل القبلة ويدعو؟ جزم بالثاني أكثر الشافعية.

ويحتمل أنه إن قصر زمن ذلك يستمر مستقبلاً للقبلة من أجل أنها أليق بالدعاء. ويحمل الأوّل على ما لو أطال الذكر والدعاء. اهـ. والله الموفق.

158 - باب مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَذَكَرَ حَاجَةً فَتَخَطَّاهُمْ

(باب من صلّى بالناس فذكر حاجة فتخاطهم) بعد أن سلم وترك المكث.

851 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ قَالَ: "صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ فَقَالَ: ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي، فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ". [الحديث 851 - أطرافه في: 1221، 1430، 6275].

وبالسند إلى المؤلّف، قال: (حدّثنا محمد بن عبيد) بضم العين، العلاف، ولابن عساكر: ابن ميمون (قال: حدّثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي، كان يغزو سنة ويحج أخرى توفي سنة سبع وثمانين ومائة، (عن عمر بن سعيد) بضم العين وفتح الميم في الأوّل. وكسر العين في الثاني، ابن أبي حسن النوفلي المكي (قال: أخبرني ابن أبي مليكة) بضم الميم (عن عقبة) بن الحرث النوفلي، أبي سروعة، بكسر السين وفتحها (قال: صلّيت وراء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمدينة، العصر، فسلم ثم

قام) كذا للكشميهني، وفي رواية الحموي والمستملي: فسلم فقام، حال كونه (مسرعًا؛ فتخطى) بغير همز، أي تجاوز (رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه).

فيه أن للإمام أن ينصرف متى شاء، وأن التخطي لما لا غنى عنه مباح، وأن من وجب عليه فرض فالأفضل مبادرته إليه.

(ففزع الناس) بكسر الزاي: أي خافوا (من سرعته) وكانت هذه عادتهم، إذا رأوا منه عليه الصلاة والسلام، غير ما يعهدونه، خشية أن ينزل فيهم شيء فيسوءهم، (فخرج) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الحجرة (عليهم) ولابن عساكر، إليهم (فرأى أنهم عجبوا) وللكشميهني: أنهم قد عجبوا (من سرعته، فقال) عليه الصلاة والسلام:

(ذكرت) بفتح الذال والكاف، أو بالضم والكسر، وأنا في الصلاة (شيئًا من تبر) بكسر المثناة شيئًا من ذهب أو فضة غير مضوغ، أو من ذهب فقط. وفي رواية أبي عاصم: تبرًا من الصدقة (عندنا، فكرهت أن يحبسني) أي: يشغلني التفكّر فيه عن التوجه والإقبال على الله تعالى (فأمرت بقسمته) بكسر القاف والمثناة الفوقية بعد الميم، ولأبي ذر وابن عساكر: بقسمة القاف من غير مثناة، وفي رواية أبي عاصم: فقسمته.

ويؤخذ منه أن عروض الذكر في الصلاة في أجنبي عنها من وجوه الخير، وإنشاء العزم في أثنائها على الأمور المحمودة، لا يفسدها، ولا يقدح في كمالها.

واستنبط منه ابن بطال: أن تأخر الصدقة يحبس صاحبها يوم القيامة في الموقف.

ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفي ومكّي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وشيخ البخاري من أفراده، وأخرجه أيضًا في الصلاة والزكاة والاستئذان، والنسائي في الصلاة.

159 - باب الاِنْفِتَالِ وَالاِنْصِرَافِ عَنِ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ

وَكَانَ أَنَسٌ يَنْفَتِلُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، وَيَعِيبُ عَلَى مَنْ يَتَوَخَّى -أَوْ مَنْ يَعْمِدُ- الاِنْفِتَالَ عَنْ يَمِينِهِ.

(باب الانفتال) لاستقبال المأمومين (والانصراف) لحاجته (عن اليمين والشمال) أي عن يمين المصلي وعن شماله، فالألف واللام عوض عن المضاف إليه.

(وكان أنس) ولأبي ذر: أنس بن مالك، مما وصله مسدد في مسنده الكبير، من طريق سعيد عن قتادة، قال: كان أنس (ينفتل) أي ينصرف (عن يمينه وعن يساره، ويعيب على من يتوخى) بالخاء المعجمة المشددة، أي يقصد ويتحرى (-أو من يعمد- الانفتال عن يمينه) بفتح المثناة التحتية وسكون العين وكسر الميم، شك من الراوي. وفي رواية أبي ذر: أو من تعمد، بفتح المثناة الفوقية

والعين والميم المشدّدة، ولابن عساكر والأصيلي: أو يعمد، بفتح المثناة التحتية وسكون العين وكسر الميم مع إسقاط: من.

فإن قلت: هذا يخالف ما في مسلم من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015