المصدر لا يجمع إلا باعتبار تنوّعه أو باعتبار مقاصد الناوي، كقصده تعالى، أو تحصيل موعوده أو اتقاء وعيده. وليس المراد نفي ذات العمل لأنه حاصل بغير نية، وإنما المراد نفي صحته أو كماله على اختلاف التقديرين. وفي معظم الروايات النية بالإفراد على الأصل لاتحاد محلها وهو القلب، كما أن مرجعها واحد وهو الإخلاص للواحد الذي لا شريك له، فناسب إفرادها بخلاف الأعمال فإنها متعلقة بالظواهر وهي متعددة فناسب جمعها. وفي صحيح ابن
حبان الأعمال بالنيات بحذف إنما، وجمع الأعمال والنيات. وفي كتاب الإيمان من البخاري من رواية مالك عن يحيى الأعمال بالنية، وفيه أيضًا في النكاح العمل بالنية بالإفراد فيهما. والتركيب في كلها يفيد الحصر باتفاق المحققين، لأن الأعمال جمع محلى بالألف واللام مفيد للاستغراق وهو مستلزم للحصر لأنه من حصر المبتدأ في الخبر، ويعبر عنه البيانيون بقصر الموصوف على الصفة، وربما قيل قصر المسند إليه على المسند، والمعنى كل عمل بنية فلا عمل إلا بنية. واختلف في إنما هل تفيد الحصر أم لا، فقال الشيخ أبو إسحق الشيرازي والغزاليّ والكيا الهراسي والإمام فخر الدين: تفيد الحصر المشتمل على نفي الحكم عن غير المذكور، نحو: إنما قائم زيد أي لا عمرو، أو نفي غير الحكم عن المذكور نحو: إنما زيد قائم أي لا قاعد. وهل تفيده بالمنطوق أو بالمفهوم، قال البرماوي في شرح ألفيته: الصحيح أنه بالمنطوق، لأنه لو قال ما له عليّ إلا دينار كان إقرارًا بالدينار، ولو كان مفهومًا لم يكن مقرًّا لعدم اعتبار المفهوم بالأقارير اهـ.
وممن صرّح بأنه منطوق أبو الحسين بن القطان والشيخ أبو إسحق الشيرازي والغزالي، بل نقله البلقيني عن جميع أهل الأصول من المذاهب الأربعة إلا اليسير كالآمدي، قال في اللامع: وقيل الحصر من عموم المبتدأ باللام وخصوص خبره على حد صديقي زيد لعموم المضاف إلى المفرد وخصوص خبره، ففي الرواية الأخرى كما سبق بدون إنما، فالتقدير كل الأعمال بالنيات إذ لو كان عمل بلا نية لم تصدق هذه الكلية، وأصل إنما أنّ التوكيدية دخلت عليها ما الكافة، وهي حرف زائد خلافًا لمن زعم أنها ما النافية، ولا يرد على دعوى الحصر نحو صوم رمضان بنيّة قضاء أو نذر حيث لم يقع له ما نوى لعدم قابلية المحل والضرورة في الحج ينويه للمستأجر فلا يقع إلا للناوي، لأن نفس الحج وقع، ولو كان لغير المنوي له. والفرق بينه وبين نيّة القضاء أو النذر في رمضان حيث لا يصح أصلاً لأن التعيين ليس بشرط في الحج فيحرم مطلقًا ثم يصرفه إلى ما شاء، ولذا لو أحرم بنفله وعليه فرضه انصرف للفرض لشدة اللزوم، فإذا لم يقبل ما أحرم به انصرف إلى القابل.
نعم لو أحرم بالحج قبل وقته انعقد عمرة على الراجح لانصرافه إلى ما يقبل، وهذا بخلاف ما لو أحرم بالصلاة قبل وقتها عالمًا لا تنعقد، وأما إزالة النجاسة حيث لا تفتقر إلى نية فلأنها من قبيل التروك، نعم تفتقر لحصول الثواب كتارك الزنا إنما يثاب بقصد أنه تركه امتثالاً للشرع، وكذلك نحو القراءة والأذان والذكر لا يحتاج إلى نية لصراحتها إلا لغرض الإثابة. وخروج هذا ونحوه عن اعتبار النية فيها إما بديل آخر، فهو من باب تخصيص العموم أو لاستحالة دخولها، كالنية ومعرفة الله تعالى، فإن النية فيهما محال. أما النية فلأنها لو توقفت على نية أخرى توقفت الأخرى على أخرى، ولزم التسلسل أو الدور وهما محُالان. وأما معرفة الله تعالى فلأنها لو توقفت على النية مع أن النية قصد المنوي بالقلب، لزم أن يكون عارفًا بالله تعالي قبل معرفته وهو محال، والأعمال جمع عمل وهو حركة البدن بكله أو بعضه، وربما أطلق على حركة النفس، فعلى هذا يقال العمل إحداث أمر قولاً كان أو فعلاً بالجارحة أو بالقلب، لكن الأسبق إلى الفهم الاختصاص بفعل الجارحة لا نحو النية،
قاله ابن دقيق العيد، قال: ورأيت بعض المتأخرين من أهل الخلاف خصّه بما لا يكون قولاً، قال: وفيه نظر ولو خصص بذلك لفظ الفعل لكان أقرب من حيث استعمالها متقابلين، فيقال: الأقوال والأفعال ولا تردد عندي في أن الحديث يتناول الأقوال أيضًا اهـ.
وتعقبه صاحب جمع العدة بأنه: إن أراد بقوله ولا