يعرفونه فذكروا أن يوروا نارًا ويضربوا ناقوسًا (فأمر بلال) بضم الهمزة أي أمره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما وقع مصرحًا به في رواية النسائي وغيره عن قتيبة عن عبد الوهاب (أن يشفع الأذان) بفتحات وسكون الشين أي يأتي بألفاظه مثنى إلا لفظ التكبير في أوّله فإنه أربع وإلا كلمة التوحيد في آخره فإنها مفردة فالمراد معظمه (وأن يوتر الإقامة) إلاّ لفظ الإقامة فإنه يثنى واستنبط من قوله فأمر بلال وجوب الأذان والجمهور على أنه سُنّة وأجاب القائل بالوجوب بأن الأمر إنما وقع بصفة الأذان في كونه شفعًا لا لأصل الأذان ولئن سلمنا أنه لنفس الأذان لكن الصيغة الشرعية واجبة في الشيء ولو كان نفلاً كالطهارة لصلاة النفل وأجيب بأنه إذا ثبت الأمر بالصفة لزم أن يكون الأصل مأمورًا به قاله ابن دقيق العيد.
ورواة هذا الحديث الخمسة بصريون وفيه التحديث والعنعنة والقول وأخرجه المؤلّف في ذكر بني إسرائيل ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة.
604 - حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: "كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاَةَ لَيْسَ يُنَادَى لَهَا. فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ. فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلاَ تَبْعَثُونَ رَجُلاً يُنَادِي بِالصَّلاَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاَةِ».
وبه قال (حدّثنا محمود بن غيلان) بفتح الغين المعجمة العدوي المروزي (قال حدّثنا عبد الرزّاق) بن همام (قال أخبرنا ابن جريج) عبد الملك (قال أخبرني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (أن ابن عمر) بن الخطاب (كان يقول كان المسلمون حين قدموا المدينة) من مكة في الهجرة (يجتمعون فيتحينون الصلاة) بالحاء المهملة يتفعلون أي يقدّرون حينها ليدركوها في الوقت وللكشميهني فيتحينون للصلاة (ليس ينادى لها.) بفتح الذال مبنيًّا للمفعول وفيه كما نقلوا عن ابن مالك جواز استعمال ليس حرفًا لا اسم لها ولا خبر ويجوز أن يكون اسمها ضمير الشأن وخبرها
الجملة بعد وفي رواية مسلم ما يؤيد ذلك ولفظه ليس ينادي بها أحد (فتكلموا) أي الصحابة رضي الله عنهم (يومًا في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسًا) بكسر الخاء على صورة الأمر (مثل ناقوس النصارى،) الذي يضربونه لوقت صلاتهم (وقال بعضهم: بل بوقًا) أي اتخذوا بوقًا بضم الموحدة (مثل قرن اليهود) الذي ينفخ فيه فيجتمعون عند سماع صوته ويسمى الشبور بفتح الشين المعجمة وتشديد الموحدة المضمومة فافترقوا فرأى عبد الله بن زيد الأذان فجاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقصّ عليه رؤياه فصدقه وسقطت واو وقال لأبي الوقت ويل في رواية أخرى (فقال عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (أو لا) بهمزة الاستفهام وواو العطف على مقدّر أي أتقولون بموافقتهم ولا (تبعثون رجلاً) زاد الكشميهني منكم حال كونه (ينادي بالصلاة؟) وعلى هذا فالفاء هي الفصيحة والتقدير كما مرّ فافترقوا قاله القرطبي وتعقبه الحافظ ابن حجر بأن سياق حديث عبد الله بن زيد يخالف ذلك فإن فيه أنه لما قصّ رؤيه على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال فسمع عمر الصوت فخرج فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: رأيت مثل الذي رأى فدلّ على أن عمر لم يكن حاضرًا لما قصّ عبد الله قال والظاهر أن إشارة عمر بإرسال رجل ينادي بالصلاة كانت عقب المشاورة فيما يفعلونه وأن رؤيا عبد الله كانت بعد ذلك وتعقبه العيني بحديث أبي بشر عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار عند أبي داود فإنه قال فيه بعد قول عبد الله بن زيد: إذ أتاني آتٍ فأراني الأذان وكان عمر قد رآه قبل ذلك فكتمه فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما منعك أن تخبرنا إلى آخره وليس فيه أن عمر سمع الصوت فخرج فقال فهو يقوّي كلام القرطبي ويردّ كلام بعضهم أي ابن حجر انتهى.
وأجاب ابن جحر في انتقاض الاعتراض بأنه إذا سكت في رواية أبي عمير عن قوله فسمع عمر الصوت فخرج وأثبتها ابن عمر إنما يكون إثبات ذلك دالاًّ على أنه لم يكن حاضرًا فكيف يعترض بمثل هذا (فقال) بالفاء ولأبي الوقت وقال (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:) (يا بلال، قم فنادِ بالصلاة) أي اذهب إلى موضع بارز فنادِ فيه بالصلاة ليسمعك الناس كذا قاله النووي متعقبًا من استنبط منه مشروعية الأذان قائمًا كابن خزيمة وابن