(صلاة العصر) المنتهية (إلى غروب الشمس أوتي) بضم أوله وكسر ثالثه أي أعطي (أهل التوراة التوراة، فعملوا) زاد أبو ذر بها أي بالتوراة (حتى إذا انتصف النهار عجزوا) عن استيفاء عمل النهار كله من غير أن يكون لهم صنع في ذلك بل ماتوا قبل النسخ وللأصيلي ثم عجزوا (فأعطوا) أي أعطي كلٌّ منهم أجره (قيراطًا قيراطًا) فالأول مفعول أعطى الثاني وقيراطًا الثاني تأكيد، أو المعنى أعطوا أجرهم حال كونه قيراطًا فهو حال، أو المعنى أعطوا الأجر متساوين وانتصاب الثاني على التأكيد عند الزجاج. وتعقبه ابن هشام بأنه غير صالح للسقوط فلا تأكيد. وقال أبو حيان: الأولى انتصابه بالعامل في الأول، لأن المجموع هو الحال. وعند أبي الفتح انتصاب الثاني بالوصف وتعقب بأن معناه ولفظه كالموصوف فإنه جامد، والقيراط نصف دانق والمراد به النصيب. (ثم أوتي أهل
الإنجيل الإنجيل، فعملوا) من نصف النهار (إلى صلاة العصر ثم عجزوا) عن العمل أي انقطعوا فأعطوا قيراطًا قيراطًا. ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس، فأعطينا قيراطين قيراطين. فقال أهل الكتابين): أي اليهود والنصارى ولابن عساكر أهل الكتاب بالإفراد على إرادة الجنس (أي) من حروف النداء أي يا (ربنا أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين وأعطيتنا قيراطًا قيراطًا، ونحن كنا أكثر عملاً) لأن الوقت من الصبح إلى الظهر أكثر من وقت العصر إلى الغروب، لكن قول النصارى لا يصح إلا على مذهب أبي حنيفة أن وقت العصر بصيرورة الظل مثليه، أو على مذهب صاحبيه والشافعية بمصير الظل مثله فمشكل، ويمكن أن يجاب بأن مجموع عمل الطائفتين أكثر وإن لم يكن عمل أحدهما أكثر أو أنه لا يلزم من كونهم أكثر عملاً أن يكون زمان عملهم أكثر لاحتمال كون الحمل أكثر في الزمان الأقل (قال: قال الله عز وجل): (هل ظلمتكم) أي نقصتكم (من أجركم) أي الذي شرطته لكم (من شيء) (قالوا: لا) لم تنقصنا من أجرنا شيئًا (قال: فهو) أي كل ما أعطيته من الثواب (فضلي أُوتيه من أشاء).
فإن قلت: ما وجه مطابقة الحديث للترجمة؟ أجيب: من قوله إلى غروب الشمس، فإنه يدل على أن وقت العصر إلى غروب الشمس، وأن من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب فقد أدرك العصر في وقتها فليتم. ولا يخفى ما فيه من التعسف.
ورواة هذا الحديث الخمسة مدنيون، وفيه التحديث والعنعنة والإخبار والقول والسماع وتابعي عن تابعي، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الإجارة إلى نصف النهار، وفي باب فضل القرآن، وفي التوحيد وباب ذكر بني إسرائيل ومسلم والترمذي.
558 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلاً إِلَى اللَّيْلِ، فَعَمِلُوا إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، فَقَالُوا: لاَ حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ، فَاسْتَأْجَرَ آخَرِينَ فَقَالَ: أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ وَلَكُمُ الَّذِي شَرَطْتُ. فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا كَانَ حِينَ صَلاَةِ الْعَصْرِ قَالُوا: لَكَ مَا عَمِلْنَا. فَاسْتَأْجَرَ قَوْمًا فَعَمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، وَاسْتَكْمَلُوا أَجْرَ الْفَرِيقَيْنِ». [الحديث 558 - طرفه في: 2271].
وبه قال (حدّثنا أبو كريب) بضم الكاف محمد بن العلاء (قال: حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة بضم الهمزة فيهما (عن بريد) بضم الموحدة آخره دال مهملة ابن عبد الله بن أبي بردة الكوفي (عن) جدّه (أبي بردة) عامر (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال:
(مثل المسلمين) المثل في الأصل بمعنى النظير ثم استعير لكل حال أو قصة أو صفة لها شأن وفيها غرابة لإرادة زيادة التوضيح والتقرير، فإنه أوقع في القلب وأقمع للخصم الألدّ يريك المتخيل
محققًا والمعقول محسوسًا، ولذا أكثر الله تعالى في كتابه الأمثال وفشت في كلام الأنبياء والمعنى هنا مثل المسلمين مع نبيهم (و) مثل (اليهود والنصارى) مع أنبيائهم (كمثل رجل استأجر قومًا يعملون له عملاً إلى الليل،) فالمثل مضروب للأمة مع نبيهم والمثل به الأجزاء مع من استأجرهم (فعملوا إلى نصف النهار فقالوا لا حاجة لنا إلى أجرك)، أي لا حاجة لنا في أجرتك التي شرطت لنا وما عملناه باطل (فاستأجر) قومًا (آخرين) بفتح الخاء وكسر الراء (فقال:) لهم (أكملوا) بهمزة قطع وبالكاف وكسر الميم من الإكمال وللكشميهني اعملوا بهمزة وصل وبالعين بدل الكاف وفتح الميم (بقية يومكم ولكم الذي شرطت). لهؤلاء من الأجر (فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر) بنصب حين خبر كان أي كان الزمان زمان حين الصلاة أو بالرفع على أن كان تامة (قالوا: لك