رضي الله عنه (قال):
(كنا نصلي العصر) مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما عند الدارقطني في غرائبه (ثم يذهب الذاهب منا)
يريد أنس نفسه لقوله في رواية أبي الأبيض عنه عند النسائي والطحاوي ثم أرجع إلى قومي في ناحية المدينة (إلى) أهل (قباء) بالمد والقصر والصرف وعدمه والتذكير والتأنيث، والأفصح فيه المد والصرف والتذكير موضع على ثلاثة أميال من المدينة وأصله اسم بئر. قال ابن عبد البر: الصواب إلى العوالي وقباء وهم من مالك لم يتابعه أحد من أصحاب الزهري عليه. وتعقب بأنه روي عن ابن أبي ذئب عن الزهري إلى قباء كما نقله الباجي عن الدارقطني، وقباء من العوالي وليست العوالي كل قباء (فيأتيهم) أي أهل قباء (والشمس مرتفعة).
وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والعنعنة والقول.
(باب إثم من فاتته العصر).
552 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «والَّذِي تَفُوتُهُ صَلاَةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ».
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب. ولأبوي الوقت وذر عن عبد الله بن عمر (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(الذي تفوته صلاة العصر) بأن أخرجها متعمدًا عن وقتها بغروب الشمس أو عن وقتها المختار باصفرار الشمس كما ورد مفسرًا من رواية الأوزاعي في هذا الحديث قال فيه: وفواتها أن تدخل الشمس صفرة. قال في شرح التقريب: كذا ذكر عياض، وتبعه النووي، وظاهر إيراد أبي داود في سننه أنه من كلام الأوزاعي لا أنه من الحديث لأنه روي بإسناد منفرد عن الحديث عن الأوزاعي أنه قال: وذلك أن ترى ما على الأرض من الشمس أصفر، وفي العلل لابن أبي حاتم سألت أبي عن حديث رواه الأوزاعي عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا: من فاتته صلاة العصر، وفواتها أن تدخل الشمس صفرة فكأنما وتر أهله وماله. قال أبي: التفسير قول نافع اهـ.
وقيل: المراد فواتها عن الجماعة، والراجح الأول، ويؤيده حديث ابن عمر عند ابن أبي شيبة في مصنفه مرفوعًا: "من ترك العصر حتى تغيب الشمس" أي من غير عذر (كأنما) وللكشميهني وابن عساكر فكأنما (وتر) وهو الذي فاتته العصر نقص أو سلب (أهله وماله) وترك فردًا منهما فبقي بلا أهل ولا مال فليحذر من تفويتها كحذره من ذهاب أهله وماله ووتر بضم الواو مبنيًّا للمفعول وأهله مفعول ثان له والأول الضمير المستتر فيه. وقيل: منصوب على نزع الخافض أي وتر في أهله وماله، فلما حذف الخافض انتصب، ويروى أهله بالرفع على أنه نائب الفاعل ولا يضمر في وتر بل
يقوم أهل مقام الفاعل وماله عطف عليه أي انتزع منه أهله وماله. وقال ابن الأثير من ردّ النقص إلى الرجل نصبهما ومن ردّه إلى الأهل والمال رفعهما، والنصب هو الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور كما قاله النووي. وقال عياض: هو الذي ضبطناه عن جماعة شيوخنا.
ووقع هنا في رواية المستملي زيادة وهي (قال أبو عبد الله) يعني المؤلّف مما يدل لنصب الكلمتين بوتر وهو قوله تعالى: {يتركم أعمالكم} [محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: 35]. بنصب أعمالكم مفعول ثانٍ والأول كاف الخطاب، ثم أشار بقوله: (وترت الرجل إذا قتلت له قتيلاً) من قريب أو حميم فأفردته عنه (أو أخذت له مالاً) وللأصيلي والهروي وأبي الوقت: أو أخذت ماله إلى أن وتر يتعدى إلى مفعول واحد، وهو يؤيد رواية الرفع. قيل: وخصت صلاة العصر بذلك لاجتماع المتعاقبين من الملائكة فيها، وعورض بأن صلاة الفجر كذلك يجتمع فيها المتعاقبون. وأجيب: باحتمال أن التهديد إنما غلظ في العصر دون الفجر لأنه لا عذر في تفويتها لأنه وقت يقظة بخلاف الفجر. فربما كان النوم عندها عذرًا، وأوله ابن عبد البر على أنه خرج جوابًا لسائل عنها. فأجيب: أي فلا يمنع إلحاق غرها أو نبّه بالعصر على غيرها وخص بالذكر لأنها تأتي والناس في وقت تعبهم من أعمالهم وحرصهم على تمام اشتغالهم، وتعقب بأنه إنما يلحق غير المنصوص بالمنصوص إذا عرفت العلة واشتراكًا فيها والعلة هنا لم تتحقّق فلا يلحق غير العصر بها. وأجيب: بأن ما ذكره هذا المتعقب لا يدفع الاحتمال، وقد ورد ما يدل للعموم، فعند ابن أبي شيبة من طريق أبي قلابة عن أبي الدرداء مرفوعًا: "من ترك صلاة مكتوبة حتى