قول يا للرجال ينهض منا ... مسرعين الكهول والشبانا
وقوله:
وأجبت قائل كيف أنت بصالح ... حتى مللت وملني عوّادي
وليس الباب شيئًا منها، لأن هذا الذي ذكره النحاة كما قاله الشيخ بدر الدين الدماميني في مصابيح الجامع إنما هو في الجملة التي لا يراد بها لفظها، وأما ما أريد به لفظه من الجمل فهو في حكم المفرد، فتضيف إليه ما شئت مما يقبل بلا حصر. ألا ترى أنك تقول محل قام أبوه من قولك زيد قام أبوه رفع، ومعنى لا إله إلاّ الله إثبات الألوهية لله ونفيها عما سواه إلى غير ذلك، وهنا أريد لفظ الجملة قال، ولا يخفى سقوط قول الزركشي لا يقال، كيف لا يضاف إليها لأنّا نقول الإضافة إلى الجملة، كلا إضافة. وقال في الشرح: لا ينبغي أن يعدّ هذان البيتان من قبيل ما هو بصدده لأن الجملة التي أضيف إليها كل من قول وقائل مراد بها لفظها، فهي في حكم المفرد وليس الكلام فيه، وتعقبه الشيخ تقيّ الدين الشمني فقال لا نسلم أن الكلام ليس فيه بل الكلام فيما هو أعمّ منه اهـ.
فليتأمل وقد استبان لك أن عدّ ابن هشام في مغنيه قولاً وقائلاً من الألفاظ المخصوصة التي لا تضاف إلى الجملة غير ظاهر. وكيف في قول البخاري باب كيف كان بإضافة باب خبر لكان إن كانت ناقصة، وحال من فاعلها إن كانت تامة، ولا بدّ قبلها من مضاف محذوف والتقدير باب جواب كيف كان بدء الوحي، وإنما احتيج إلى هذا المضاف لأن المذكور في هذا الباب هو جواب كيف كان بدء الوحي لا السؤال بكيف عن بدء الوحي، ثم إن الجملة من كان ومعمولها في محل جرّ بالإضافة. ولا تخرج كيف بذلك عن الصدرية لأن المراد من كون الاستفهام له الصدر أن يكون في صدر الجملة التي هو فيها، وكيف على هذا الإعراب كذلك. والبدء بفتح الموحدة وسكون المهملة آخره همزة من بدأت الشيء بدأ ابتدأت به. قال القاضي عياض روي بالهمز مع سكون الدال من الابتداء وبدوّ بغير همزة مع ضم الدال وتشديد الواو من الظهور، ولم يعرف الأخيرة الحافظ ابن حجر، نعم قال روي في بعض الروايات كيف كان ابتداء الوحي، فهذا يرجح الأولى وهو الذي سمعناه من أفواه المشايخ، والوحي الإعلام في خفاء. وفي اصطلاح الشرع إعلام الله تعالى أنبياءه الشيء، إما بكتاب أو برسالة ملك أو منام أو إلهام. وقد يجيء بمعنى الأمر نحو: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي} [المائدة: 111]، وبمعنى التسخير نحو {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْل} [النحل: 68] أي سخرها لهذا الفعل، وهو اتخاذها من الجبال بيوتًا إلى آخره. وقد يعبر عن ذلك بالإلهام، لكن المراد به هدايتها لذلك، وإلا فالإلهام حقيقة إنما يكون لعاقل، والإشارة نحو {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 11] وقد يطلق على الموحى كالقرآن والسُّنّة
من إطلاق المصدر على المفعول. قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4]. والتصلية جملة خبرية يراد بها الإنشاء كأنه قال اللهمَّ صل.
(وقول الله جل ذكره) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي. وقول الله عز وجل، ولابن عساكر وقول الله سبحانه، وقول مجرور عطفًا على محل الجملة التي أضيف إليها الباب، أي باب كيف كان ابتداء الوحي. ومعنى قول الله قيل وإنما لم يقدّروا باب كيف قول الله، لأن قول الله لا يكيف.
وأجيب بأنه يصح على تقدير مضاف محذوف أي كيف نزول قول الله، أو كيف فهم معنى قول الله، أو أن يراد بكلام الله المنزل المتلوّ لا مدلوله، وهو الصفة القائمة بذات الباري تعالى ويجوز رفعه مبتدأ محذوف الخبر، أي وقول الله تعالى كذا مما يتعلق بهذا الباب ونحو هذا من التقدير أو خبره.
(إنّا أوحينا إليك) وحي إرسال فقط (كما أوحينا) أي كوحينا (إلى نوح والنبيين من بعده) زاد أبو ذر الآية. قاله العيني فليتأمل وهذا جواب لأهل الكتاب عن اقتراحهم أن ينزل عليهم كتابًا من السماء، واحتجاج عليهم بأن أمره في الوحي كسائر الأنبياء. وآثر صيغة التعظيم تعظيمًا للموحي والموحى إليه. قيل خصّ نوحًا بالذكر لأنه أول مشرع، وعورض بأن أول مشرّع آدم لأنه نبي أرسل إلى بنيه وشرّع لهم شرائع، ثم شيث وكان نبيًّا مرسلاً، وبعده إدريس. وقيل إنما