نفس بفتح الفاء وهو ما يخرج من الجوف ويدخل فيه من الهواء (نفس في الشتاء ونفس في الصيف) بجر نفس في الموضعين على البدل أو البيان، ويجوز رفعهما بتقدير أحدهما ونصبهما بأعني فهو (أشد ما تجدون) أي الذي تجدونه (من الحر)، أي من ذلك النفس، وهذا لا يمكن الحمل معه على المجاز، ولو حملنا شكوى النار على المجاز لأن الإذن لها في التنفس ونشأة شدة الحر عنه لا يمكن فيه التجوّز، والذي رويناه أشد بالرفع مبتدأ محذوف الخبر، ويؤيده رواية النسائي من وجه آخر بلفظ: فأشد ما تجدون من الحر من حر جهنم الحديث، أو خبر مبتدأ محذوف أي فذلك، ويؤيده رواية غير أبوي ذر والوقت والأصيلي، وعزاها ابن حجر لرواية الإسماعيلي من هذا الوجه فهو أشد، ويجوز الجر على البدل من السابق، ويجوز النصب مفعول تجدون الواقع بعد. قال الدماميني: وفيه بعد (وأشد) بالرفع أو الجر أو النصب (ما تجدون من الزمهرير) من ذلك النفس ولا مانع من حصول الزمهرير من نفس النار، لأن المراد من النار محلها وهو جهنم وفيها طبقة زمهريرية، والذي خلق الملك من الثلج والنار قادر على جمع الضدّين في محل واحد، وفيه أن النار مخلوقة موجودة الآن وهو أمر قطعي للتواتر المعنوي خلافًا لمن قال من المعتزلة أنها إنما تخُلَق يوم القيامة.

ورواته خمسة، وفيه التحديث والقول والحفظ والعنعنة، وأخرجه النسائي.

538 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ». تَابَعَهُ سُفْيَانُ وَيَحْيَى وَأَبُو عَوَانَةَ عَنِ الأَعْمَشِ. [الحديث 538 - طرفه في: 3259].

وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) ولأبي ذر ابن حفص بن غياث بكسر الغين المعجمة آخره مثلثة (قال: حدّثنا أبي) حفص بن طلق بفتح الطاء وسكون اللام (قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران وللأصيلي عن الأعمش (قال: حدّثنا أبو صالح) ذكوان (عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه: (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم) خصّ الشافعي الإبراد بالإمام المنتاب من بعد دون الفذ والجماعة بموضعهم كما مرّ ولم يقل بالإبراد في غير الظهر إلا أشهب. قال: يبرد بالعصر كالظهر، وقال أحمد: تؤخر العشاء في الصيف كالظهر، وعكس ابن حبيب فقال: إنما تؤخر في ليل الشتاء لطوله، وتعجل في الصيف لقصره، وقد يحتج بحديث الباب على مشروعية الإبراد للجمعة كما مرّ، وبه قال بعض الشافعية وهو مقتضى صنيع المؤلّف. وتأتي مباحث ذلك إن شاء الله تعالى.

وفي هذا الحديث رواية الابن عن الأب والتحديث والعنعنة والقول:

(تابعه) وفي رواية وتابعه أي تابع حفص بن غياث والد عمر المذكور (سفيان) الثوري مما وصله المصنف في صفة النار من بدء الخلق، (و) تابع حفصًا أيضًا (يحيى) بن سعيد القطان مما وصله الإمام أحمد في مسنده عنه، (و) كذا تابعه (أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله في روايتهم (عن الأعمش) سليمان بن مهران في لفظ: أبردوا بالظهر.

10 - باب الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي السَّفَرِ

(باب الإبراد بالظهر في) حالة (السفر) كالحضر إذا كان المسافر غير سائر.

539 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُهَاجِرٌ أَبُو الْحَسَنِ مَوْلًى لِبَنِي تَيْمِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَبْرِدْ. ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ: أَبْرِدْ. حَتَّى رَأَيْنَا فَىْءَ التُّلُولِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ". وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تَتَفَيَّأُ تَتَمَيَّلُ.

وبالسند قال: (حدّثنا آدم) ولغير الأربعة (ابن أبي إياس قال): (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا مهاجر أبو الحسن مولى لبني تيم الله) وللحموي والكشميهني مولى بني تيم الله بالإضافة الكوفي (قال: سمعت زيد بن وهب) الجهني الكوفي المخضرم (عن أبي ذر الغفاري) رضي الله عنه (قال):

(كنا مع النبي) ولأبي ذر وابن عساكر مع رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر) قيده هنا بالسفر وأطلقه في السابقة مشيرًا بذلك إلى تلك الرواية المطلقة محمولة على هذه المقيدة، لأن المراد من الإبراد التسهيل ودفع المشقّة فلا تفاوت بين السفر والحضر، (فأراد المؤذن) بلال (أن يؤذن للظهر، فقال:) له (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أبرد ثم أراد أن يؤذن فقال له: أبرد) في رواية عن أبي الوليد عن شعبة مرتين أو ثلاثًا، وجزم مسلم بن إبراهيم عن شعبة بذكر الثالثة (حتى) أي إلى أن (رأينا فيء التلول،) وغاية الإبراد حتى يصير الظل ذراعًا بعد ظل الزوال، أو ربع قامة أو ثلثها أو نصفها. وقيل غير ذلك أو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015