(قال صالح بن كيسان) بفتح الكاف (حدّثنا الأعرج عبد الرحمن) بن هرمز (وغيره) قال الحافظ ابن حجر هو أبو سلمة بن عبد الرحمن فيما أظن (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (ونافع) بالرفع عطفًا على الأعرج (مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (أنهما) أي أبا هريرة وابن عمر (حدّثاه) أي حدّثا من حدّث صالح بن كيسان أو الضمير في أنهما للأعرج ونافع يعني أن الأعرج ونافعًا حدّثاه يعني صالح بن كيسان عن شيخهما بذلك، ولابن عساكر وهو عند الإسماعيلي حدّثا بغير ضمير، وحينئذ فلا يحتاج إلى التقدير المذكور (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال):

(إذا اشتد الحر فأبردوا) بقطع الهمزة وكسر الراء (بالصلاة) أي بصلاة الظهر كما في رواية أبي سعيد والمطلق يحمل على المقيد أي أخّروا صلاة الظهر عند شدة الحر وعند إرادة صلاتها بمسجد الجماعة حيث لا ظل لمنهاجه في بلد حار ندبًا عن وقت الهاجرة إلى حين يبرد النهار، فالتأخير إلى حين ذهاب شدّة الحر لا إلى آخر بردي النهار وهو برد العشي لأنه إخراج عن الوقت، ولا في بلد معتدل، ولا لمن يصلّي في بيته منفردًا، ولا لجماعة مسجد لا يأتيهم غيرهم، ولا لمن كانت منازلهم قريبة من المسجد، ولا لمن يمشون إليه من بُعد في ظل. واستدل به على استحباب الإبراد بالجمعة لدخولها في مسمى الصلاة، ولأن العلة وهي شدة الحر موجودة في وقتها، والأصح أنه لا يبرد بها لأن المشقّة في الجمعة ليست في التعجيل بل في التأخير، والمستحب لها التعجيل والباء في بالصلاة للتعدية فالمعنى: ادخلوا الصلاة في البرد. وللكشميهني: فأبردوا عن الصلاة فعن بمعنى الباء كاسأل به خبيرًا ورميت عن القوس، أو ضمن أبردوا معنى التأخير فعدّي بعن أي إذا اشتد الحر فتأخروا عن الصلاة مبردين أو أبردوا متأخرين عنها، وحقيقة التضمين أن يقصد بالفعل معناه الحقيقي مع فعل آخر يناسبه، وقد استشكل هذا بأن الفعل المذكور إن كان في معناه الحقيقي فلا دلالة على الفعل الآخر، وإن كان في معنى الفعل الآخر فلا دلالة على معناه الحقيقي، وإن كان فيهما جميعًا لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز.

وأجيب: بأنه في معناه الحقيقي مع حذف حال مأخوذ من الفعل الآخر بمعونة القرينة اللفظية، وقد يعكس كما مثلناه ومنه قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُم} [البقرة: 185] أي لتكبّروه مدين على ما هداكم، أو لتحمدوا الله مكبّرين على ما هداكم.

فإن قيل: صلة المتروك تدل على زيادة القصد إليه فجعله أصلاً، وجعل المذكور حالاً وتبعًا أولى. فالجواب: أن ذكر صلته يدل على اعتباره في الجملة لا على زيادة القصد إليه إذ لا دلالة بدونه، فينبغي جعل الأوّل أصلاً والتبع حالاً قاله في المصابيح.

(فإن شدة الحر من فيح) أي من سعة تنفس (جهنم). حقيقة للحديث الآتي إن شاء الله تعالى، فأذن لها بنفسين، ولا يمكن حمله على المجاز، ولو حملنا شكوى النار على المجاز لأن الإذن لها في التنفس ونشأة شدة الحر عنه لا يمكن فيه التجوّز أو هو من مجاز التشبيه أي مثل نار جهنم فاحذروه واخشوا ضرره، والأوّل أولى لا سيما والنار عندنا مخلوقة فإذا تنفست في الصيف للإذن لها قوّى لهب نفسها حرّ الشمس، والفاء في فإن للتعليل لأن علّة مشروعية الإبراد شدّة الحر لكونها تسلب الخشوع، أو لأنها ساعة تسجر فيها جهنم، وعورض بأن فعل الصلاة مظنّة وجود الرحمة.

وأجيب: بأن التعليل من قبل الشارع يجب قبوله، وإن لم يدرك معناه. وبأن وقت ظهوره أثر الغضب لا ينجع فيه الطلب إلا لمن أذن له بدليل حديث الشفاعة إذ يعتذر كل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بغضب الله عز وجل إلاّ نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام المأذون له في الشفاعة.

ورواة هذا الحديث الثمانية مدنيون وفيه صحابيان وثلاثة من التابعين، والتحديث والعنعنة والقول.

535 - حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْمُهَاجِرِ أَبِي الْحَسَنِ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: "أَذَّنَ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظُّهْرَ فَقَالَ: أَبْرِدْ أَبْرِدْ -أَوْ قَالَ -انْتَظِرِ انْتَظِرْ- وَقَالَ: شِدَّةُ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّم، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاَةِ. حَتَّى رَأَيْنَا فَىْءَ التُّلُولِ". [الحديث 535 - أطرافه في: 539، 629، 3258].

وبه قال: (حدّثنا ابن بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة وللأربعة محمد بن بشار الملقب ببندار العبدي (قال: حدّثنا غندر) اسمه محمد بن جعفر ابن امرأة شعبة (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن المهاجر أبي الحسن) بضم الميم بلفظ اسم الفاعل وهو اسم له وليس بوصف وأل فيه كالتي في العباس (سمع زيد بن وهب)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015