ومعن بن عيسى ويحيى بن بكير عن مالك الربيع بلا هاء، ونسبه مالك إلى جدّه لشهرته به، وكان حمله عليه الصلاة والسلام لأمامة على عنقه كما رواه مسلم من طريق أخرى وعبد الرزاق عن مالك، ولأحمد من طريق ابن جريج على رقبته. (فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها) وإنما فعل ذلك عليه الصلاة والسلام لبيان الجواز وهو جائز لنا وشرع مستمر إلى يوم الدين، وهذا مذهبنا ومذهب أبي حنيفة وأحمد، وادّعى المالكية بتحريم الحمل في الصلاة وهو مردود بأن قصة أمامة كانت بعد قوله عليه الصلاة والسلام: "إن في الصلاة لشغلاً" فإن ذلك كان قبل الهجرة، وقصة أمامة بعدها قطعًا بمدة مديدة، وحمل مالك لها فيما رواه أشهب على صلاة النافلة مدفوع بحديث مسلم: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يؤمّ الناس وأمامة على عاتقه، وحديث أبي داود: بينا نحن ننتظر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الظهر والعصر وقد
دعاه بلال للصلاة إذ خرج إلينا وأمامة بنت أبي العاص بنت ابنته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على عنقه فقام في الصلاة وقمنا خلفه، وفي كتاب النسب لابن بكار عن عمرو بن سليم أن ذلك كان في صلاة الصبح، وهذا يقتضي أنه كان في الفرض.
وأجيب: باحتمال أنه كان في النافلة التي قبل الفرض، وردّ بأن إمامته في النافلة ليست معهودة وبأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يتنفل في المسجد بل في بيته قبل أن يخرج وإنما يخرج عند الإقامة وحمل الخطابي ذلك على عدم التعمّد منه عليه الصلاة والسلام لأنه عمل كثير في الصلاة بل كانت أمامة ألفته وأنست بقربه، فتعلقت به في الصلاة ولم يدفعها عن نفسه، فإذا أراد أن يسجد وضعها عن عاتقه حتى يكمل سجوده فتعود إلى حالتها الأولى فلا يدفعها، فإذا قام بقيت معه محمولة. وعورض بما رواه أبو داود من طريق المقبري عن عمرو بن سليم حتى إذا أراد أن يركع أخذها فوضعها ثم ركع وسجد، حتى إذا فرغ من سجوده وقام أخذها فردها في مكانها ولأحمد من
طريق ابن جريج وإذا قام حملها فوضعها على رقبته، فهذا صريح في أن فعل الحمل والوضع كان منه لا منها، والأعمال في الصلاة إذا قلت أو تفرقت لا تبطلها، والواقع هنا عمل غير متوالٍ لوجود الطمأنينة في أركان صلاته، ودعوى خصوصيته عليه الصلاة والسلام بذلك كعصمته من بول الصبية بخلاف غيره مردودة بأن الأصل عدم الخصوصية، وكذا دعوى الضرورة حيث لم يجد من يكفيه أمرها لأنه عليه الصلاة والسلام لو تركها لبكت وشغلته في صلاته أكثر من شغله بحملها. قال النووي: وكلها باطلة لا دليل عليها وليس في الحديث ما يخالف قواعد الشرع انتهى.
ورواة هذا الحديث الخمسة كلهم مدنيون إلاّ شيخ المؤلّف، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الأدب ومسلم في الصلاة وكذا أبو داود والنسائي.
هذا (باب) بالتنوين (إذا صلّى) الرجل (إلى فراش فيه حائض) صحّت صلاته وهل يكره ذلك أم لا؟
517 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي خَالَتِي مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ قَالَتْ: "كَانَ فِرَاشِي حِيَالَ مُصَلَّى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُبَّمَا وَقَعَ ثَوْبُهُ عَلَىَّ وَأَنَا عَلَى فِرَاشِي".
وبالسند قال: (حدّثنا عمرو بن زرارة) بفتح العين وضم الزاي وفتح الراء المكررة بينهما ألف آخره تاء تأنيث ابن واقد بالقاف النيسابوري، المتوفى سنة ثمان وثلاثن ومائتين (قال: أخبرنا هشيم) بضم الهاء مصغرًا ابن بسر بضم الموحدة وسكون المهملة الواسطي (عن الشيباني) بفتح الشين المعجمة أبي إسحاق سليمان بن أبي سليمان الكوفي (عن عبد الله بن شداد) بن أسامة (بن الهاد) بتشديد دال شداد الليثي المدني من كبار التابعين الثقات (قال):
(أخبرتني خالتي ميمونة بنت الحارث) زوجته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قالت: كان فراشي) الذي أنام عليه (حيال) بكسر الحاء المهملة وفتح المثناة التحتية الخفيقة أي بجنب (مصلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فربما وقع ثوبه عليّ) إذا صلّى (وأنا على فراشي) أي وأنا حائض كما في الرواية الآتية إن شاء الله تعالى.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين واسطي وكوفي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول.
518 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ سُلَيْمَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَيْمُونَةَ تَقُولُ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي وَأَنَا إِلَى جَنْبِهِ نَائِمَةٌ، فَإِذَا سَجَدَ أَصَابَنِي ثَوْبُهُ وَأَنَا حَائِضٌ".
وَزَادَ مُسَدَّدٌ عَنْ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ: "وَأَنَا حَائِضٌ".
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) بضم النون محمد بن الفضل (قال: حدّثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم البصري (قال: حدّثنا الشيباني) بفتح الشين المعجمة أبو إسحاق (سليمان) بن فيروز التابعي،