المذكر والمؤنث إذا ذكر الموصوف نحو: رجل قتيل وامرأة قتيل فإن لم يذكر الموصوف فرّق بينهما نحو: قتيل وقتيلة وحينئذٍ فما وجه لحوق علامة التأنيث هنا؟ أجيب: بأن التسوية جائزة لا واجبة وقيل إنما أنّثها لمناسبة الخفيفة والثقيلة لأنهما بمعنى الفاعلة لا المفعولة، والمراد محبوبية قائلها ومحبة الله تعالى لعبده وإرادته إيصال الخير له والتكريم، وخصّ اسمه الرحمن دون غيره من الأسماء الحسنى لأن كل اسم منها إنما يذكر في المكان اللائق به، وهذا من محاسن البديع الواقع في الكتاب العزيز وغيره من الفصيح كقوله تعالى: {استغفروا ربكم إنه كان غفارًا} [نوح: 10] وكذلك هنا لما كان جزاء من يسبح بحمده تعالى الرحمة ذكر في سياقها الاسم المناسب لذلك وهو الرحمن (خفيفتان على اللسان) للين حروفهما وسهولة خروجهما فالنطق بهما سريع وذلك لأنه ليس فيهما من حروف الشّدة المعروفة عند أهل العربية وهي الهمزة والباء الموحدة والتاء المثناة الفوقية والجيم والدال والطاء المهملتان والقاف والكاف ولا من حروف الاستعلاء أيضًا وهي: الخاء المعجمة والصاد والضاد والطاء والظاء والغين المعجمة والقاف سوى حرفين الباء الموحدة والظاء المعجمة، ومما يستثقل أيضًا من الحروف الثاء المثلثة والشين المعجمة وليستا فيهما، ثم إن الأفعال أثقل من الأسماء وليس فيهما فعل وفي الأسماء أيضًا ما يستثقل كالذي لا ينصرف وليس فيهما شيء من ذلك وقد اجتمعت فيهما حروف اللين الثلاثة الألف والواو والياء وبالجملة فالحروف السهلة الخفيفة فيهما أكثر من العكس (ثقيلتان في الميزان) حقيقة لكثرة الأجور المدّخرة لقائلهما والحسنات المضاعفة للذاكر بهما وقوله: حبيبتان وخفيفتان وثقيلتان صفة لقوله كلمتان وفي هذه الرواية تقديم حبيبتان وتأخير ثقيلتان وقوله (سبحان الله) اسم مصدر لا مصدر يقال سبّح يسبّح تسبيحًا لأن قياس فعل بالتشديد إذا كان صحيح اللام التفعيل كالتسليم والتكريم، وقيل: إن سبحان مصدر لأنه سمع له فعل ثلاثي، وقول الشاعر:

سبحانه ثم سبحانًا يعود له ... وقبلنا سبّح الجوديّ والجمد

يساعد من قال إن سبحان مصدر لوروده منصرفًا قاله في اللباب وغيره، وقال بعض الكبراء: إن فيه وجوهًا.

أحدهما: أنه مصدر تأكيدي كما في ضربت ضربًا فهو في قوة قولنا أسبّح الله تسبيحًا فلما حذف الفعل أضيف المصدر إلى المفعول ومعنى أسبح المده أي أنظم نفسي في سلك الموقنين بتقديسه عن جميع ما لا يليق بجنابه سبحانه وأنه مقدس أزلاً وأبدًا وإن لم يقدسه أحد.

الثاني: أنه مصدر نوعي على مثال ما يقال عظم السلطان تعظيم السلطان أي تعظيمًا يليق بجنابه ويناسب من يتصف بالسلطنة والمعنى أسبّحه تسبيحًا يختص به، وذلك إذا كان بما يليق بجنابه ولا يستحقه غيره فالإضافة لا إلى الفاعل ولا إلى المفعول بل للاختصاص فتأمله.

الثالث: أنه مصدر نوعي ولكنه على مثال ما يقال اذكر الله مثل ذكر الله فالمعنى أسبّح الله تسبيحًا مثل تسبيح الله لنفسه أي مثل ما سبّح الله به نفسه فهو صفة لمصدر محذوف بحذف المضاف إلى سبحان وهو لفظ المثل فالإضافة في سبحان الله إلى الفاعل.

الرابع: أنه مصدر أريد به الفعل مجازًا كما أن الفعل يذكر ويراد به المصدر مجازاً كقوله: تسمع بالمعيدي وذلك لأن المصدر جزء مفهوم الفعل وذكر البعض وإرادة الكل مجاز كعكسه، ولما كان المراد منه الفعل الذي أريد به إنشاء التسبيح بني هذا المصدر على الفتح فلا محل له من الإعراب، وذلك لأن الأصل في الفعل أن يكون مبنيًّا وذلك لأن الشبه الذي به أعرب المضارع منعدم في الإنشاء فمثله كمثل أسماء الأفعال وهذا وجه نحوي يمكن أن يقال به فافهم. قال: وما ذكرناه لا يبطل كون هذا اللفظ معربًا في الأصل فلا يضرّنا ما جاء في شعر أمية منوّنًا وأما ما يتعلق بمعناه ومغزاه فهو أنه قد فهم من هذا أيضًا تقدّس الأسماء والصفات لأن الذات مع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015