أنهم لا يصدقون أصلاً (قال: فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مجيبًا عن سبب ذلك الصدق وأنه إذا اتفق أن يصدق لم يتركه خالصًا بل يشوبه بالكذب (تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني) بفتح التحتية والطاء المهملة بينهما خاء معجمة أي يختلسها بسرعة من الملك وسقط لأبي ذر من الحق ولأبوي ذر والوقت عن الكشميهني يحفظها بحاء مهملة ففاء فظاء معجمة من الحفظ. قال الحافظ ابن حجر: والأول هو المعروف (فيقرقرها) أي يرددها (في أذن وليّه) الكاهن حتى يفهمها (كقرقرة الدجاجة) بتشديد الدال أي صوتها إذا قطعته يقال قرت تقرّ قرًّا وقريرًا وقرقرت قرقرة، ولأبي ذر عن المستملي الزجاجة بالزاي المضمومة وأنكرها الدارقطني وعدّها من التصحيف لكن وقع في باب ذكر الملائكة من كتاب بدء الخلق فيقرها في أذنه كما تقر القارورة أي كما يسمع صوت الزجاجة إذا حكت على شيء أو ألقي فيها شيء، وقال القابسي: المعنى أنه يكون لما يلقيه الجني إلى الكاهن حس كحس القارورة إذا حركت باليد أو على الصفا، وقال الطيبي: قر الدجاجة مفعول مطلق وفيه معنى التشبيه فكما يصح أن يشبه إيراد ما اختطفه من الكلام في أذن الكاهن بصب الماء في القارورة يصح أن يشبه ترديد الكلام في أذنه بترديد الدجاجة صوتها في أذن صواحباتها وباب التشبيه واسع لا يفتقر إلى العلامة على أن الاختطاف مستعار للكلام من فعل الطير كما قال تعالى: {فتخطفه الطير} فيكون ذكر الدجاجة هنا أنسب من ذكر الزجاجة لحصول الترشيح في الاستعارة (فيخلطون) أي الأولياء وجمع بعد الإفراد نظر إلى الجنس (فيه) المخطوف (أكثر من مائة كذبة) بسكون المعجمة وفتح الكاف وحكي الكسر وأنكره بعضهم لأنه بمعنى الهيئة والحالة وليس هذا موضعه.

ومطابقته للترجمة من حيث مشابهة الكاهن بالمنافق من جهة أنه لا ينتفع بالكلمة الصادقة لغلبة الكذب عليه لفساد حاله كما لا ينتفع المنافق بقراءته لفساد عقيدته وانضمام خبثه إليها قاله في الكواكب. وقال في الفتح: والذي يظهر لي من مراد البخاري أن تلفظ المنافق بالقرآن كما يتلفظ به المؤمن فتختلف تلاوتهما والمتلوّ واحد ولو كان المتلوّعين التلاوة لم يقع فيه تخالف وكذلك الكاهن في تلفظه بالكلمة من الوحي التي يخبره بها الجني مما يختطفه من الملك تلفظه بها وتلفظ الجني مغاير لتلفظ الملك فتغايرا.

وسبق الحديث في باب الكهانة أواخر الطب.

7562 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مَهْدِىُّ بْنُ مَيْمُونٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يُحَدِّثُ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ وَيَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لاَ يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ». قِيلَ مَا سِيمَاهُمْ؟ قَالَ: «سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ -أَوْ قَالَ- التَّسْبِيدُ».

وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل قال: (حدّثنا مهدي بن ميمون) الأزدي قال: (سمعت محمد بن سيرين) أبا بكر أحد الأعلام (يحدّث عن) أخيه (معبد بن سيرين) بفتح الميم وسكون العين المهملة بعدها موحدة مفتوحة فدال مهملة (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):

(يخرج ناس من قِبل المشرق) أي من جهة مشرق المدينة كنجد وما بعده وهم الخوارج ومن معتقدهم تكفير عثمان -رضي الله عنه- وأنه قتل بحق ولم يزالوا مع عليّ حتى وقع التحكيم بصفين فأنكروا التحكيم وخرجوا على عليّ وكفّروه (ويقرؤون) بالواو ولأبي ذر يقرؤون (القرآن لا يجاوز تراقيهم) بالنصب على المفعولية جمع ترقوة بفتح الفوقية وسكون الراء وضم القاف وفتح الواو العظم الذي بين ثغرة النحر والعنق وهذا موضع الترجمة (يمرقون) بضم الراء يخرجون (من الدين كما يمرق السهم من الرمية) بفتح الراء وكسر الميم وتشديد التحتية أي المرمي إليها (ثم لا يعودون فيه) أي في الدين وسقط ثم في بعض النسخ (حتى يعود السهم إلى فوقه) بضم الفاء موضع الوتر من السهم وهو لا يعود إلى فوقه قط بنفسه (قيل ما سيماهم) بكسر السين المهملة مقصورًا ما علامتهم؟ قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- والسائل لم أقف على تعيينه (قال) عليه الصلاة والسلام (سيماهم) أي علامتهم (التحليق) أي إزالة الشعر أو إزالة شعر الرأس. قال الحافظ ابن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015