النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في نفر من الأشعريين) ما بين الثلاثة إلى العشرة من الرجال (نستحمله) نطلب منه أن يحملنا ويحمل أثقالنا في غزوة تبوك على شيء من الإبل (قال) صلوات الله وسلامه عليه:

(والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم) أي عليه (فأتي النبي) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنهب إبل) من غنيمة (فسأل عنا فقال: أين النفر الأشعريون) فأتينا (فأمر لنا بخمس ذود) بفتح الذال المعجمة وسكون الواو بعدها دال مهملة وهو من الإبل ما بين الثنيتين إلى التسعة وقيل ما بين الثلاثة إلى العشرة واللفظة مؤنثة لا واحد لها من لفظها كالنعم. وقال أبو عبيد: الذود من الإناث دون المذكور وفي غزوة تبوك ستة أبعرة وفي الأيمان والنذور بثلاثة ذود ولا تنافي في ذلك لأن ذكر عدد لا ينافي غيره وقوله خمس بالتنوين وفي رواية بغير تنوين على الإضافة واستنكره أبو البقاء في غريبه، وقال: والصواب تنوين خمس وأن يكون ذود بدلاً من خمس فإنه لو كان بغير تنوين لتغير المعنى لأن العدد المضاف غير المضاف إليه فيلزم أن يكون خمس خمسة عشر بعيرًا لأن الإبل الذود ثلاثة، وتعقبه الحافظ ابن حجر فقال: ما أدري كيف حكم بفساد المعنى إذا كان العدد كذا وليكن عدد الإبل خمسة عشر بعيرًا فما الذي يضر، وقد ثبت في بعض طرقه خذ هذين القرينين وهذين القرينين إلى أن عدست مرات، والذي قاله إنما يتم أن لو جاءت رواية صريحة أنه لم يعطهم سوى خمسة أبعرة (غرّ الذرى) بضم الغين المعجمة وتشديد الراء والذرى بالذال المعجمة المضمومة وفتح الراء ذروة وهي أعلى كل شيء أي ذوي الأسنمة البيض من سمنهن وكثرة شحومهن.

(ثم انطلقنا قلنا ما صنعنا) بسكون العين (حلف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يحملنا) ولأبي ذر أن لا يحملنا (وما عنده ما يحملنا ثم حملنا) بفتح اللام في الأخير (تغفلنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمينه) بسكون اللام أي طلبنا غفلته وكنا سبب ذهوله عما وقع (والله لا نفلح أبدًا فرجعنا إليه) صلوات الله وسلامه عليه (فقلنا له) ذلك (فقال: لست أنا أحملكم ولكن الله حملكم) حقيقة لأنه خالق أفعال العباد.

وهذا مناسب لما ترجم به. وقال ابن المنير: الذي يظهر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلف لا يحملهم فلما حملهم راجعوه في يمينه فقال: ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم فبيّن أن يمينه إنما انعقدت فيما يملك فلو حملهم على ما يملك لحنث وكفر ولكنه حملهم على ما لا يملك ملكًا خاصًّا وهو مال الله وبهذا لا يكون قد حنث في يمينه هذا مع قصده عليه الصلاة والسلام في الأوّل أنه لا يحملهم على ما لا يملك بقرض يتكلفه ونحو ذلك. وأما قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عقب ذلك لا أحلف على يمين الخ فتأسيس قاعدة مبتدأة كأنه يقول ولو كنت حلفت ثم رأيت ترك ما حلفت عليه خيرًا منه لأحنثت

نفسي وكفّرت عن يميني قال وهم إنما سألوه ظنًّا أنه يملك حملانًا فحلف لا يحملهم على شيء يملكه لكونه كان حينئذٍ لا يملك شيئًا من ذلك اهـ.

ووجه البدر الدماميني في مصابيحه بأن مكارم أخلاقه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورأفته بالمؤمنين ورحمته بهم تأبى أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحلف على عدم حملانهم مطلقًا قال: والذي يظهر لي أن قوله وما عندي ما أحملكم جملة حالية من فاعل الفعل المنفي بلا أو مفعوله أي لا أحملكم في حالة عدم وجداني لشيء أحملكم عليه أي أنه لا يتكلف حملهم بقرض أو غيره لما رآه من المصلحة المقتضية لذلك، وحينئذٍ فحمله لهم على ما جاءه من مال الله لا يكون مقتضيًا لحنثه.

وأجيب: بأن المعنى إزالة المنّة عنهم وإضافة النعمة لمالكها الأصلي، ولم يرد أنه لا صنع له أصلاً في حملهم لأنه لو أراد ذلك ما قال بعد (إني) ولأبي ذر وإني (والله لا أحلف على يمين) أي على محلوف يمين وسماه يمينًا مجازًا للملابسة بينهما، والمراد ما شأنه أن يكون محلوفًا عليه، وإلا فهو قبل اليمين ليس محلوفًا عليه فيكون من مجاز الاستعارة ومثله صلى على قبره بعدما دفن أي صلى على صاحب القبر وأطلق القبر على صاحب القبر ويدل لهذا التأويل رواية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015