عسى الله يهدينا جميعًا بفضله ... إلى سُنّة المختار رأس الأكارم
وصلى على المختار ألله ربنا ... يقارنها التسليم في حال دائم
وآل له والصحب مع تبع لهم ... يقفون آثارًا أتت بدعائم
بتكرير ما يبدو وتضعيف عدّه ... وفي بدئها والختم مسك الخواتم
وقد آن أن أشرع في الشرح حسبما قصدته، على النحو الذي في الخطبة ذكرته، مستعينًا بالله ومتوكلاً عليه ومفوّضًا جميع أموري إليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
بسم الله الرحمن الرحيم
قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى آمِينَ.
(قال الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله تعالى):
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم)
الباء متعلقة بمحذوف قدّره البصريون اسمًا مقدمًا، والتقدير ابتدائي كائن أو مستقر. وقدره الكوفيون فعلاً مقدمًا والتقدير أبدًا، فالجار والمجرور في الأول في موضع رفع وفي الثاني نصب.
وجوّز بعضهم تقديره اسمًا مؤخرًا أي بسم الله ابتدائي أي الكلام. وقدّره الزمخشري فعلاً مؤخرًا أي بسم الله أقرأ أو أتلو لأن الذي يتلوه مقروء وكل فاعل يبدأ في فعله ببسم الله كان مضمرًا ما جعل التسمية مبدأ له، كما أن المسافر إذا حل أو ارتحل فقال بسم الله كان المعنى بسم الله أحل وبسم الله أرتحل، وهذا أولى من أن يضمر أبدأ لعدم ما يطابقه ويدل عليه، أو ابتدائي لزيادة الإضمار فيه، وإنما قدر المحذوف متأخرًا وقدم المعمول لأنه أهم وأدل على الاختصاص، وأدخل في التعظيم أوفق للوجود. فإن اسم الله تعالى مقدم على القراءة، كيف وقد جعل آلة لها من حيث إن الفعل لا يعتد به شرعًا ما لم يصدر باسمه تعالى، لحديث "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر" وأما ظهور فعل القراءة في قوله تعالى: {اقرأ باسم ربك} [العلق: 1]، فلأن الأهم ثمة القراءة، ولذا قدّم الفعل فيها على متعلقه بخلاف البسملة، فإن الأهم فيها الابتداء. قاله البيضاوي وغيره وتعقب بأن تقدير النحاة أبتدىء هو المختار، لأنه يصح في كل موضع، والعامّ تقديره أولى. ولأن تقدير فعل الابتداء هو الغرض المقصود من البسملة، إذ الغرض منها أن تقع مبتدأة موافقة لحديث "كل أمر
ذي بال". وكذلك في كل فعل ينبغي أن لا يقدّر فيه إلا فعل الابتداء، لأن الحض جاء عليه. وأيضًا فالبسملة غير مشروعة في غير الابتداء، فلما اختصت بالابتداء وجب أن يقدر لها فعل الابتداء.
وأجيب بأن تقدير الزمخشري أولى وأتم شمولاً لاقتضائه أن التسمية واقعة على القراءة كلها مصاحبة لها، وتقدير أبدأ يقتضي مصاحبتها لأوّل القراءة دون باقيها. وقوله إن الغرض أن تقع التسمية مبدأ نقول بموجبه، فإن ذلك يقع فعلاً بالبداءة لها لا بإضمار فعل الابتداء، ومن بدأ في الوضوء بغسل وجهه لا يحتاج في كونه بادئًا إلى إضمار بدأت، والحديث الذي ذكره لم يقل فيه كل أمر لا يقال فيه أبدأ وإنما أريد طلب إيقاعها بالفعل لا بإضمار فعلها، وأما دلالة الحديث على طلب البداءة فامتثال ذلك بنفس البداءة لا بلفظها. واختلف هل الاسم عين المسمى أو غيره، واستدل القائلون بالأوّل بنحو {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيم} [الواقعة: 74، 96] و [الحاقة: 52] و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] فأمر بتسبيح اسم الله تعالى، والمسبح هو الباري، فاقتضى أن اسم الله تعالى هو هو لا غيره. وأجيب بأنه أشرب سبح معنى اذكر، فكأنه قال اذكر اسم ربك.
وتحقيق ذلك أن الذات هي المسمى والزائد عليها هو الاسم، فإذا قلت عالم فهناك أمران ذات وعلم، فالذات هو المسمى والعلم هو الاسم. فإذا فهم هذا فالأسماء منها ما هو عين المسمى ومنها ما هو غيره، ومنها ما يقال فيه لا عين ولا غير، فالقسم الأوّل مثل موجود وقديم وذات، فإن الموجود عين الذات وكذا القديم. والقسم الثاني مثل خالق ورازق وكل صفات الأفعال، فإن الفعل الذي هو الاسم غير الذات، والقسم الثالث مثل عالم وقادر وكل الصفات الذاتية، فإن الذات التي هي المسمى لا يقال في العلم الذي هو الاسم أنه غيرها ولا عينها.
هذا تحقيق ما قاله الأشعري في هذه المسألة وما نقل عنه خلاف هذا فهو خبط، كذا رأيته منسوبًا للعلاّمة البساطي من أئمة المالكية، ويأتي إن شاء الله تعالى في كتاب التوحيد في باب السؤال