إذا صادف خلاف ما لو حكم لم يحكم إلا به وربما قالوا يخطئ انتهاء لا ابتداء هذا آخر تفاريع القول بأن كل مجتهد مصيب. وقال الجمهور: وهو الصحيح المصيب واحد، وقال ابن السمعاني في القواطع: إنه ظاهر مذهب الشافعي ومن حكى عنه غيره فقد أخطأ ولله تعالى في كل واقعة حكم سابق على اجتهاد المجتهدين وفكر الناظرين، ثم اختلفوا أعليه دليل أم هو كدفين يصيبه من شاء الله تعالى ويخطئه من شاءه، والصحيح أن عليه أمارة. واختلف القائلون بأن عليه أمارة في أن المجتهد هل هو مكلف بإصابة الحق أو لا لأن الإصابة ليست في وسعه والصحيح الأول لإمكانها ثم اختلفوا فيما إذا أخطأ الحق هل يأثم والصحيح لا يأثم بل له أجر لبذله وسعه في طلبه. وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر واحد". وقيل: يأثم لعدم إصابته المكلف بها. وأما المسألة التي يكون فيها قاطع من نص أو إجماع واختلف فيها لعدم الوقوف عليه فالمصيب فيها واحد بالإجماع وإن دق مسلك ذلك القاطع وقيل على الخلاف فيما لا قاطع فيها وهو غريب ثم إذا أخطأه نظر فإن لم يقصر وبذل المجهود في طلبه ولكن تعذر عليه الوصول إليه فهل يأثم فيه مذهبان، وأصحهما المنع والثاني نعم ومتى قصر المجتهد في اجتهاده أثم وفاقًا لتركه الواجب عليه من بذله وسعه فيه.
(باب الحجة على من قال إن أحكام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت ظاهرة) للناس لا تخفى إلا على النادر (وما كان يغيب بعضهم) عطف على مقول القول وكلمة ما نافية أو عطف على الحجة فما موصولة، لكن قال في الفتح إن ظاهر السياق يأبى كونها نافية أي بعض الصحابة (عن مشاهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح ميم مشاهد (وأمور الإسلام) قالوا والترجمة معقودة لبيان أن كثيرًا من أكابر الصحابة كان يغيب عن بعض ما يقوله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو يفعله من الأفعال التكليفية فيستمر على ما كان اطلع عليه هو إما على المنسوخ لعدم اطّلاعه على ناسخه، وإما على البراءة الأصلية. وقال ابن بطال: أراد الرد على الرافضة والخوارج الذين يزعمون أن التواتر شرط في قبول الخبر وقولهم مردود بما صح إن الصحابة كان يأخذ بعضهم عن بعض ويرجع بعضهم إلى ما رواه غيره وانعقد الإجماع على القول بالعمل بإخبار الآحاد.
7353 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِى عَطَاءٌ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ أَبُو مُوسَى عَلَى عُمَرَ فَكَأَنَّهُ وَجَدَهُ مَشْغُولاً فَرَجَعَ فَقَالَ عُمَرُ: أَلَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ائْذَنُوا لَهُ؟ فَدُعِىَ لَهُ فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا، قَالَ: فَأْتِنِى عَلَى هَذَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ لأَفْعَلَنَّ بِكَ، فَانْطَلَقَ إِلَى مَجْلِسٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالُوا: لاَ يَشْهَدُ إِلاَّ أَصَاغِرُنَا، فَقَامَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ فَقَالَ: قَدْ كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا، فَقَالَ عُمَرُ: خَفِىَ عَلَىَّ هَذَا مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَلْهَانِى الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح (عن عبيد بن عمير) بضم العين فيهما الليثي المكي أنه (قال: استأذن أبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (على عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- أي ثلاثًا (فكأنه وجده مشغولاً فرجع فقال عمر: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس) يريد أبا موسى (ائذنوا له) في الدخول (فدعي له) بضم الدال وكسر العين فحضر عنده (فقال) له (ما حملك على ما صنعت)؟ من الرجوع (فقال) أبو موسى (إنّا كنا نؤمر) بضم النون وفتح الميم من قبل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بهذا) أي بالرجوع إذا استأذنا ثلاثًا ولم يؤذن لنا (قال) عمر: (فائتني على هذا ببينة) على ما ذكرته (أو لأفعلن بك، فانطلق) أبو موسى (إلى مجلس من الأنصار) فسألهم عن ذلك (فقالوا) أي أبيّ والأنصار (لا يشهد إلا أصاغرنا) بألف بعد الصاد ولأبي ذر عن الكشميهني لا يشهد لك إلا أصغرنا (فقام أبو سعيد الخدري) -رضي الله عنه- وكان أصغر القوم معه (فقال) لعمر: (قد كنا نؤمر بهذا) أي نرجع إذا استأذنا ولم يؤذن لنا (فقال عمر: خفي عليّ) بتشديد التحتية (هذا من أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ألهاني) شغلنى (الصفق بالأسواق). وهو
ضرب اليد على اليد عند البيع، وليس قول عمر ذلك ردًّا لخبر الواحد بل احتياطًا وإلا فقد قبل عمر حديث عبد الرحمن بن عوف في أخذ الجزية من المجوس وحديثه في الطاعون، وحديث عمرو بن حزم في التسوية بين الأصابع في الدّية.
ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن عمر لما خفي عليه أمر الاستئذان رجع إلى قول أبي