نائم الخ ثلاث مرات (فقالوا فالدار) الممثل بها (الجنة والداعي محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي حديث ابن مسعود عند أحمد: أما السيد فهو رب العالمين، وأما البنيان فهو الإسلام، وأما الطعام فهو الجنة ومحمد الداعي فمن اتبعه كان في الجنة (فمن أطاع محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقد أطاع الله) لأنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صاحب المأدبة فمن أجابه ودخل في دعوته أكل من المأدبة (ومن عصى محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقد عصى الله).
فإن قلت: التشبيه يقتضي أن يكون مثل الباني هو مثل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيث قال مثله كمثل رجل بنى دارًا لا مثل الداعي. وأجاب في شرح المشكاة فقال قوله: مثله كمثل رجل مطّلع للتشبيه وهو ينبئ عن أن هذا ليس من التشبيهات المفرقة كقول امرئ القيس:
كأن قلوب الطير رطبًا ويابسًا ... لدى وكرها العناب والحشف البالي
شبه القلوب الرطبة بالعناب واليابسة بالحشف على التفريق بل هو من التمثيل الذي ينتزع فيه الوجه من أمور متعددة متوهمة منضم بعضها مع بعض إذ لو أريد التفريق لقيل مثله كمثل داع بعثه رجل، ومن ثم قدمت في التأويل الدار على الداعي وعلى المضيف روعي في التأويل أدب حسن حيث لم يصرح المشبه بالرجل لكنه لمح في قوله من أطاع الله إلى ما يدل على أن المشبه من هو قال الطيبي، وتحريره، أن الملائكة مثلوا سبق رحمة الله تعالى على العالمين بإرساله الرحمة المهداة إلى الخلق كما قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} [الأنبياء: 107] ثم إعداده الجنة للخلق ودعوته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إياهم إلى الجنة ونعيمها وبهجتها ثم إرشاده الخلق بسلوك الطريق إليها واتباعهم إياه بالاعتصام بالكتاب والسُّنّة المدليين إلى العالم السفلي فكأن الناس واقعون في مهواة طبيعتهم ومشتغلون بشهواتها وإن الله يريد بلطفه رفعهم فأدلى حبلي القرآن والسُّنّة إليهم ليخلص من تلك الورطة فمن تمسك بهما نجا وحصل في الفردوس الأعلى والجناب الأقدس عند مليك مقتدر ومن أخلد إلى الأرض هلك وأضاع نفسه من رحمة الله تعالى بحال مضيف كريم بنى دارًا وجعل فيها من أنواع الأطعمة المستلذة والأشربة المستعذبة ما لا يحصى ولا يوصف ثم بعث داعيًا إلى الناس يدعوهم إلى الضيافة إكرامًا لهم فمن اتبع الداعي نال من تلك الكرامة ومن لم يتبع حرم منها ثم إنهم وضعوا مكان حلول سخط الله بهم ونزول العقاب السرمدي عليهم، قولهم: لم ندخل الدار ولم نأكل من المأدبة لأن فاتحة الكلام سيقت لبيان سبق الرحمة على الغضب فلم يطابق أن لو ختم بما يصرح بالعقاب والغضب فجاؤوا بما يدل على المراد على سبيل الكناية.
(ومحمد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فرّق) بتشديد الراء فارق ولغير أبي ذر فرق بسكونها على المصدر وصف به للمبالغة أي الفارق (بين الناس) المؤمن الكافر والصالح والطالح إذ به تميزت الأعمال والعمال وهذا كالتذليل للكلام السابق لأنه مشتمل على معناه ومؤكد له وفيه إيقاظ للسامعين من رقدة الغفلة وحث على الاعتصام بالكتاب والسُّنّة والإعراض عما يخالفهما.
(تابعه) أي تابع محمد بن عبادة (قتيبة) بن سعيد (عن ليث) هو ابن سعد (عن خالد) أبي عبد الرحيم بن يزيد المصري (عن سعيد بن أبي هلال) الليثي المدني (عن جابر) الأنصاري -رضي الله عنه- أنه قال: (خرج علينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وصله الترمذي بلفظ خرج علينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي يقول أحدهما لصاحبه اضرب له مثلاً فقال اسمع سمعت أُذنك واعقل عقل قلبك إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ دارًا ثم بنى فيها بناء، ثم جعل فيها مائدة ثم بعث رسولاً يدعو الناس إلى طعامه، فمنهم من أجاب الرسول، ومنهم من تركه فالله هو الملك، والدار الإسلام، والبيت الجنة. وأنت يا محمد رسول الله من أجابك دخل الإسلام ومن دخل الإسلام دخل الجنة، ومن دخل الجنة أكل مما فيها". قال الترمذي: وهو حديث مرسل لأن سعيد بن أبي هلال لم يدرك جابرًا. قال في الفتح: