وفي سنده من لم أعرفه، وللديلمي بلا سند عن ابن عباس مرفوعًا مثله، لكن بلفظ: أعطيت الحديث بدل الكلم، وعند البيهقي في الشعب نحوه فكل كلمة يسيرة جمعت معاني كثيرة فهي من جوامع الكلم والاختصار هو الاقتصار على ما يدل على الغرض مع حذف أو إضمار والعرب لا يحذفون ما لا دلالة عليه ولا صلة إليه، لأن حذف ما لا دلالة عليه مُنافٍ لغرض وضع الكلام من الإفادة والإفهام وفائدة الحذف تقليل الكلام، وتقريب معانيه إلى الأفهام، والحذف أنواع. أحدها: حذف المضافات وله أمثلة كثيرة منها نسبة التحليل والتحريم والكراهة والإيجاب والاستحباب إلى الأعيان فهذا من مجاز الحذف إذ لا يتصور تعلق الطلب بالإجرام وإنما تطلب أفعال تتعلق بها فتحريم الميتة تحريم لأكلها وتحريم الخمر تحريم لشربها، وأدلة الحذف أنواع منها ما يدل العقل على حذفه والمقصود الأعظم يرشد إلى تعيينه وله مثالان:

أحدهما قوله: {حرمت عليكم الميتة} [المائدة: 3].

الثاني: {حرمت عليكم أمهاتكم} [النساء: 23] فإن العقل يدل على الحذف إذ لا يصح تحريم الإجرام، والمقصود الأظهر يرشد إلى أن التقدير حرّم عليكم أكل الميتة حرم عليكم نكاح أمهاتكم.

ومباحث هذا طويلة جدًّا لا نطيل بإيرادها. وللشيخ عز الدّين بن عبد السلام مجاز القرآن لخصت منه ما تراه سقى الله بالرحمة ثراه.

7273 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِى أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ، فَوُضِعَتْ فِى يَدِى». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنْتُمْ تَلْغَثُونَهَا، أَوْ تَرْغَثُونَهَا أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا.

وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) العامري الأويسي الفقيه قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):

(بعثت بجوامع الكلم) سبق في باب المفاتيح في اليد من كتاب التعبير قال محمد: وبلغني أن جوامع الكلم أن الله تعالى يجمع الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين أو نحو ذلك، وأن في رواية أبي ذر قال أبو عبد الله بدل قوله محمد فقيل المراد البخاري وصوب ورجح الحافظ ابن حجر أنه محمد بن مسلم الزهري وأن غير الزهري جزم بأن المراد بجوامع الكلم القرآن بقرينة قوله بعثت والقرآن هو الغاية القصوى في إيجاز اللفظ واتساع المعاني قد بهرت بلاغته العقول وظهرت فصاحته على كل مقول أعجز بإعجازه فرسان البلاغة البارعة، وفرق بجوامع كلمه ذوي الألفاظ الناصعة، والكلمات الجامعة. وكانوا قدحًا ولوا الإتيان ببعض شيء منه فما أطاقوه وراموا ذلك فما استطاعوه إذ رأوه نظمًا عجيبًا خارجًا عن أساليب كلامهم ووصفًا بديعًا مباينًا لقوانين بلاغتهم ونظامهم، فأيقنوا بالقصور عن معارضته، واستشعروا العجز عن مقابلته، ولما سمع المغيرة بن الوليد من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الله يأمر بالعدل والإحسان الآية قال والله ان له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر، وسمع أعرابي رجلاً يقرأ [فاصدع بما تؤمر} [الحجر: 94] فسجد وقال: سجدت لفصاحته، وقد ذكروا من أمثلة جوامع الكلم في القرآن قوله تعالى: {ولكم في القصاص حياة يا أُولي الألباب لعلكم تتقون} [البقرة: 179] وقوله: {ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب} [سبأ: 51] وقوله: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} [فصّلت: 34] وقوله: {وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي} [هود: 44] الآية.

قال القاضي عياض: إذا تأملت هذه الآيات وأشباهها حققت إيجاز ألفاظها وكثرة معانيها وديباجة عبارتها وحسن تأليف حروفها وتلاؤم كلمها وأن تحت كل لفظة منها جملاً كثيرة وفصولاً جمة وعلومًا زواخر ملئت الدواوين من بعض ما استفيد منها وكثرت المقالات في المستنبطات عنها، وقد حكى الأصمعي أنه سمع كلام جارية فقال لها: قاتلك الله ما أفصحك. فقالت: أو تعدّ هذا فصاحة بعد قوله تعالى: {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه} [القصص: 7] فجمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين ومن أمثلة جوامع كلمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الواردة في الأحاديث حديث "كل عمل ليس عليه أمرنا فهو ردّ"، وكل شرط ليس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015