عليه الصلاة والسلام لأنه عرف أنه ليس من جنس النياحة المحرمة، أو ما التفت إلى كلامها حيث بيّن حكم النياحة لهن، أو كان جوازها من خصائصها. وعند النسائي في رواية أيوب فأذهب فأسعدها ثم أجيئك فأبايعك. قال: اذهبي فأسعديها قالت فذهبت فساعدتها ثم جئت فبايعته. قال النووي: وهذا محمول على الترخيص لأم عطية خاصة وللشارع أن يخص من العموم ما شاء اهـ.
وأورد عليه غير أم عطي كما سبق في تفسير سورة الممتحنة فلا خصوصية لأم عطية، واستدلّ به بعض المالكية على أن النياحة ليست حرامًا وإنما المحرم ما كان معه شيء من أفعال الجاهلية من نحو شق جيب وخمش وجه. وفي المسألة أقوال: منها أنه كان قبل التحريم، ومنها أن قوله في الرواية الأخرى إلا آل فلان فليس فيه نص على أنها تساعدهم بالنياحة فيمكن أن تساعدهم بنحو البكاء الذي لا نياحة معه، وأقرب الأجوبة أنها كانت مباحة ثم كرهت كراهة تنزيه ثم كراهة تحريم.
قالت أم عطية: (فما وفت امرأة) بتخفيف الفاء بترك النوح ممن بايع معي (إلا أم سليم) بنت ملحان والدة أنس (وأم العلاء) امرأة من الأنصار المبايعات قاله ابن عبد البر ونسبها غيره فقال بنت الحارث بن ثابت بن خارجة بن ثعلبة (وابنة أبي سبرة) بفتح السين المهملة وسكون الموحدة (امرأة معاذ) أي ابن جبل (أو ابنة أبي سبرة وامرأة معاذ) بواو العطف، وفي باب ما ينهى من النوح والبكاء في كتاب الجنائز فما وفت منا امرأة غير خمس نسوة أم سليم وأم العلاء وابنة أبي سبرة امرأة معاذ وامرأتين أو بنت أبي سبرة وامرأة معاذ وامرأة أخرى والشك من الراوي هل ابنة أبي سبرة هي امرأة معاذ أو هي غيرها. قال في الفتح: والذي يظهر لي أن الرواية بواو العطف أصح لأن امرأة معاذ هي أم عمرو بنت خلاد بن عمر السلمية ذكرها ابن سعد، فعلى هذا فابنة أبي سبرة غيرها. وفي الدلائل لأبي موسى من طريق حفصة عن أم عطية وأم معاذ بنت أبي سبرة، وفي رواية ابن عون عن ابن سيرين عن أم عطية فما وفت غير أم سليم وأم كلثوم وامرأة معاذ بن أبي سبرة كذا فيه والصواب ما في الصحيح امرأة معاذ بنت أبي سبرة ولعل بنت أبي سبرة يقال لها أم كلثوم وإن كانت الرواية التي فيها أم معاذ محفوظة فلعلها أم معاذ بن جبل وهي هند بنت سهل الجهنية ذكرها ابن سعد أيضًا وعرف بمجموع هذا النسوة الخمس المذكورات في الجنائز وهن أم سليم وأم العلاء وأم كلثوم وأم عمرو وهند إن كانت الرواية محفوظة وإلا فالخامسة أم عطية كما في الطبراني من طريق عاصم عن حفصة عن أم عطية فما وفت غيري وغير أم سليم، لكن أخرج إسحاق بن راهويه في مسنده من طريق هشام بن حسان عن حفصة عن أم عطية قالت: كان فيما أخذ علينا أن لا ننوح الحديث. وفي آخره وكانت لا تعد نفسها لأنه لما كان يوم الحرة لم تزل النساء بها حتى قامت معهن فكانت لا تعد نفسها لذلك ففيه ردّ للسابق ويجمع بأنها تركت عدّ نفسها من يوم الحرة.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 10].
(باب من نكث بيعة) بالمثلثة أي نقضها ولأبي ذر عن الكشميهني بيعته بزيادة الضمير (وقوله تعالى: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله}) قال في الكشاف لما قال إنما يبايعون الله أكده توكيدًا على طريقة التخييل فقال: ({يد الله فوق أيديهم}) يريد أن يد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي تعلو يدي المبايعين هي يد الله والله سبحانه وتعالى منزّه عن الجوارح وعن صفات الأجسام وإنما المعنى تقرير أن عقد الميثاق مع الرسول كعقده مع الله من غير تفاوت بينهما كقوله تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} [النساء: 180] اهـ.
وفي اختصاص الفوقية تتميم معنى الظهور وقال أبو البقاء إنما يبايعون خبر إن ويد الله مبتدأ وما بعده الخبر والجملة خبر لإن أو حال من ضمير الفاعل في يبايعون أو مستأنف ({فمن نكث}) نقض العهد ولم يف بالبيعة ({فإنما ينكث على نفسه}) فلا يعود ضرر نكثه إلا عليه ({ومن أوفى بما عاهد الله عليه}) يقال وفيت بالعهد وأوفيت به أي وفى في مبايعته ({فسيؤتيه أجرًا عظيمًا}) [الفتح: 10] أي الجنة