المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي قال: (حدّثنا أبو مريم عبد الله بن زياد الأسدي) بفتح الهمزة والمهملة (قال: لما سار طلحة) بن عبيد الله (والزبير) بن العوام (وعائشة) أم المؤمنين -رضي الله عنهم- (إلى البصرة) وكانت عائشة بمكة فبلغها قتل عثمان -رضي الله عنه- فحضت الناس على القيام بطلب دم عثمان، وكان الناس قد بايعوا عليًّا بالخلافة

وممن بايعه طلحة والزبير واستأذنا عليًّا في العمرة فخرجا إلى مكة فلقيا عائشة فاتفقا معها على طلب دم عثمان حتى يقتلوا قتلته، فسارت عائشة على جمل اسمه عسكر اشتراه لها يعلى بن أمية من رجل من عرينة بمائتي دينار في ثلاثة آلاف رجل من مكة والمدينة ومعها طلحة والزبير، فلما نزلت ببعض مياه بني عامر نبحت عليها الكلاب فقالت: أيّ ماء هذا قالوا: الحوأب بفتح الحاء المهملة وسكون الواو بعدها همزة مفتوحة فموحدة فقالت: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لنا ذات يوم "كيف بإحداكن ينبح عليها كلاب الحوأب" وعند البزار من حديث ابن عباس أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لنسائه: "أيتكن صاحبة الجمل الأدبب" بهمزة مفتوحة ودال مهملة ساكنة فموحدتين "تخرج حتى تنبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها وعن شمالها قتلى كثيرة وتنجو بعدما كادت".

وخرج علي -رضي الله عنه- من المدينة لما بلغه ذلك خوف الفتنة في آخر شهر ربيع الأول سنة ست وثلاثين في تسعمائة راكب ولما قدم البصرة قال له قيس بن عباد وعبد الله بن الكواء: أخبرنا عن مسيرك فذكر كلامًا طويلاً، ثم ذكر طلحة والزبير فقال: بايعاني بالمدينة وخالفاني بالبصرة وكان قد (بعث علي) -رضي الله عنه- (عمار بن ياسر وحسن بن علي) أي ابن فاطمة يستنفران الناس (فقدما علينا الكوفة) فدخلا المسجد (فصعدا المنبر فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه) لأنه ابن الخليفة وابن بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأنه كان الأمير على من أرسلهم عليّ وإن كان في عمار ما يقتضي رجحانه فضلاً عن مساواته أو فعله عمار تواضعًا معه إكرامًا لجده عليه الصلاة والسلام (وقام عمار) على المنبر (أسفل من الحسن فاجتمعنا إليه) قال أبو مريم (فسمعت عمارًا يقول: إن عائشة قد سارت إلى البصرة ووالله إنها لزوجة نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الدنيا والآخرة ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم) بها (ليعلم إياه) تعالى (تطيعون أم) تطيعون (هي) -رضي الله عنها-. وقيل الضمير في إياه لعلي والمناسب أن يقول أو إياها لا هي. وقال في المصابيح: فيه نظر من حيث إن أم فيه متصلة فقضية المعادلة بين المتعاطفين بها أن يقال أم إياها اهـ.

وأجاب الكرماني: بأن الضمائر يقوم بعضها مقام بعض قال في الفتح: وهو على بعض الآراء.

وعند الإسماعيلي من وجه آخر عن أبي بكر بن عياش صعد عمار المنبر فحض الناس في الخروج إلى قتال عائشة وفي رواية ابن أبي ليلى في القصة المذكورة فقال الحسن: إن عليًّا يقول إني أذكر الله رجلاً رعى الله حقًّا أن لا يفر فإن كنت مظلومًا أعانني وإن كنت ظالمًا أخذلني، والله إن طلحة والزبير لأول من بايعني ثم نكثا ولم أستأثر بمال ولا بدلت حكمًا. قال: فخرج إليه اثنا عشر ألف رجل.

وعند ابن أبي شيبة من طريق شمس بن عطية عن عبد الله بن زياد قال: قال عمار: إن أمنا سارت مسيرها هذا وإنها والله زوج محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الدنيا والآخرة ولكن الله تعالى ابتلانا ليعلم إياه نطيع أو إياها ومراد عمار بذلك أن الصواب في تلك القصة كان مع علي وأن عائشة مع ذلك لم

تخرج بذلك عن الإسلام ولا أن لا تكون زوجة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الجنة، وكان ذلك يعد من إنصاف عمار وشدة ورعه وتحرّيه قول الحق.

وقال ابن هبيرة في هذا الحديث: إن عمارًا كان صادق اللهجة وكان لا تستخفه الخصومة إلى تنقيص خصمه فإنه شهد لعائشة بالفضل التام مع ما بينهما من الحرب وقوله ليعلم بفتح الياء مبنيًّا للفاعل في الفرع. قال في الكواكب: والمراد به العلم الوقوعي أو تعلق العلم أو إطلاقه على سبيل المجاز عن التمييز لأن التمييز لازم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015