ولأبي ذر وأحسب (أنه كان يقول فإذا فيه لغط) بالمعجمة ثم المهملة جلبة وصيحة لا يفهم معناها (وأصوات. قال: فاطلعنا فيه) في الثقب (فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب) بفتح الهاء وهو لسان النار أو شدة اشتعالها (من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا) بضادين معجمتين مفتوحتين بينهما واو ساكنة وآخره واو أخرى ساكنة أيضًا بلا همز بلفظ الماضي صاحوا (قال قلت لهما) ولأبي ذر لهم (ما هؤلاء) الرجال والنساء العراة؟ (قال: قالا لي انطلق انطلق) مرتين (قال؛ فانطلقنا فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح يسبح) عامّ يعوم (وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح) بصيغة المضارع فيهما، وفي الفتح بفتحتين وتخفيف الموحدة في الثاني (ثم يأتي ذلك) الرجل (الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر) بتحتية مفتوحة ففاء ساكنة فغين معجمة مفتوحة فيفتح (له فاه) فمه (فيلقمه حجرًا) بضم التحتية (فينطلق يسبح) في النهر (ثم يرجع إليه كلما) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي كما (رجع إليه فغر) فتح (له فاه فألقمه حجرًا قال: قلت لهما ما) شأن (هذان) الرجلان؟ (قال: قالا لي انطلق انطلق) بالتكرار مرتين (قال: فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرأة) بفتح الميم وسكون الراء وهمزة ممدودة ثم هاء تأنيث أي كريه المنظر (كأكره) بفتح الهاء وكسرها (ما أنت راء رجلاً مرآة) بفتح الميم (وإذا عنده نار يحشها) بحاء مهملة وشين معجمة مشددة مضمومتين يحركها ويوقدها ولأبي ذر وابن عساكر نار له يحشها (ويسعى حولها قال قلت لهما: ما هذا) الرجل؟ (قال: قالا لي انطلق انطلق) بالتكرار مرتين (فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة) بضم الميم وسكون العين المهملة بعدها فوقية فميم مشددة مفتوحتين آخره هاء تأنيث طويلة النبات وقيل غطاها الخصب والكلأ كالعمامة على الرأس، وضبطها بعضهم بكسر الفوقية وتخفيف الميم.
قال السفاقسي: ولا يظهر له وجه. وأجاب في المصابيح فقال: يلوح لي فيه وجه مقبول وذلك أن خضرة الزرع إذا اشتدت وصفت بما يقتضي السواد كقوله تعالى: {والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى} [الأعلى: 4] وقد ذهب الزجاج إلى أن أحوى حال من المرعى أخر عن الجملة المعطوفة وأن المراد وصفه بالسواد لأجل خضرته فكذلك تقول وصفت الروضة بشدة خضرتها بالسواد فقيل معتمة من قولك أعمّ الليل إذا أظلم فتأمله اهـ.
وبه قال الحافظ ابن حجر ولفظه الذي يظهر لي أنه من العتمة وهي شدة الظلام فوصفها بشدة الخضرة كقوله: {مدهامتان} [الرحمن: 64] (فيها) في الروضة (من كل نور الربيع) بفتح النون أي زهره، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من كل لون الربيع (وإذا بين ظهري الروضة) بفتح الراء وكسر التحتية تثنية ظهر أي وسطها (رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولاً في السماء) بنصب طولاً على التمييز (وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط) قال في شرح المشكاة أصل التركيب إذا حول الرجل ولدان ما رأيت ولدانًا قط أكثر منهم ولما كان هذا التركيب متضمنًا
معنى النفي جاز زيادة من، وقط التي تختص بالماضي المنفي (قال: قلت لهما ما هذا) الرجل الطويل؟ (ما هؤلاء) الولدان؟ قال الطيبي: ومن حق الظاهر أن يقول من هذا فكأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما رأى حاله من الطول المفرط خفي عليه أنه من أيّ جنس هو أبشر أم ملك أم غير ذلك؟ وسقط لأبي ذر ما هذا (قال: قالا فانطلق انطلق) مرتين (قال فانطلقنا فانتهينا إلى روضة معظيمة لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن) وعند الإمام أحمد والنسائي إلى دوحة بدل روضة وهي الشجرة الكبيرة (قال: قالا لي ارق فيها) أي في الشجرة (قال فارتقينا فيها) وفي رواية الإمام أحمد والنسائي فصعدا بي في الشجرة (فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب) بكسر الموحدة وفتح اللام: بلبن ذهب (ولبن فضة) جمع لبنة وأصلها ما يبنى به من طين (فأتينا باب المدينة فاستفتحنا) ها