(وقوله تعالى) رفع وسقطت الواو في الفرع وثبتت في أصله: ({فلما بلغ معه السعي}) بلغ أن يسعى مع أبيه في أشغاله وحوائجه ومعه لا تتعلق ببلغ لاقتضائه بلوغهما معًا حد السعي ولا بالسعي لأن صلة المصدر لا تتقدم عليه فبقي أن يكون بيانًا كأنه قال لما قال فلما بلغ معه السعي أبي الحدّ الذي يقدر فيه على السعي قيل مع من قال مع أبيه وكان إذ ذاك ابن ثلاث عشرة سنة، والمعنى في اختصاص الأب أنه أرفق الناس به وأعطفهم عليه وغيره ربما عنف به في الاستسعاء فلا يحتمله لأنه لم يستحكم قوته ({قال يا بني إني أرى}) أي إني رأيت ({في المنام أني أذبحك}) ورؤيا الأنبياء في المنام وحي رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس مرفوعًا أي كالوحي في اليقظة فلهذا قال: إني أرى في المنام أني أذبحك ({فانظر ماذا ترى}) من الرأي على وجه المشاورة لا من رؤية العين وإنما شاوره ليأنس للذبح وينقاد للأمر به ({قال يا أبت افعل ما تؤمر}) به ({ستجدني إن شاء الله من الصابرين}) على الذبح أو على قضاء الله به ({فلما أسلما}) خضعا وانقادا لأمر الله سبحانه وتعالى أو أسلما الذبيح نفسه وإبراهيم ابنه ({وتله للجبين}) صرعه عليه ليذبحه من قفاه ولا يشاهد وجهه عند ذبحه ليكون أهون عليه ووضع السكين على قفاه فانقلب

السكين ولم يعمل شيئًا بمانع من القدرة الإلهية ({وناديناه أن يا إبراهيم قد صدّقت الرؤيا}) أي حققت ما أمرناك به في المنام من تسليم الولد للذبح وجواب لما محذوف تقديره كان ما كان مما ينطق به الحال ولا يحيط به الوصف من استبشارهما وحمدهما لله وشكرهما على ما أنعم به عليهما من دفع البلاء العظيم بعد حلوله ({إنا كذلك}) أي كما جزيناك ({نجزي المحسنين}) [الصافات: 102 - 105] لأنفسهم بامتثال الأمر بإفراج الشدة عنهم.

(قال مجاهد): فيما وصله الفريابي في تفسيره في قوله تعالى: ({فلما أسلما) أي (سلما ما أمرا به) سلم الابن نفسه للذبح والأب ابنه ({وتله}) أي (وضع وجهه بالأرض) لأنه قال له: يا أبت لا تذبحني وأنت تنظر في وجهي لئلا ترحمني، ولم يذكر البخاري -رحمه الله- هنا حديثًا كالترجمة التي قبل بل اكتفى فيهما بما أورده من الآيات القرآنية ولعله لم يتفق له حديث فيهما على شرطه.

8 - باب التَّوَاطُؤُ عَلَى الرُّؤْيَا

(باب التواطؤ) أي توافق جماعة (على الرؤيا) الواحدة وإن اختلفت عباراتهم.

6991 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنه - أَنَّ أُنَاسًا أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِى السَّبْعِ الأَوَاخِرِ وَأَنَّ أُنَاسًا أُرُوا أَنَّهَا فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْتَمِسُوهَا فِى السَّبْعِ الأَوَاخِرِ».

وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه لجده وأبوه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر) والد سالم (-رضي الله عنه-) وعن أبيه (إن أناسًا) بضم الهمزة ولأبي ذر عن الكشميهني أن ناسًا بإسقاط الهمزة (أروا) في المنام (ليلة القدر) بضم الهمزة وأصله أريوا فاستثقلت الضمة على الياء وقبلها كسرة فحذفت الضمة وتبعتها الياء ثم ضمت الراء لأجل الواو وهو مبني لما لم يسم فاعله ومفعوله النائب عن الفاعل الضمير وهو الواو والرؤيا هنا اختلف فيها فقال ابن هشام مصدر رأى الحلمية عند ابن مالك والحريري قال وعندي لا تختص بها لقوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فتنة للناس} [الإسراء: 60] قال ابن عباس: هي رؤيا عين فدلّ على أنه مصدر الحلمية والبصرية وقد ألحقوا رأى الحلمية برأى العلمية في التعدي لاثنين اهـ.

وقد جعلها أبو البقاء وجماعة بصرية فعلى هذا تتعدى لمفعول واحد وتنقل بالهمزة إلى الثاني فيكون الثاني هنا ليلة القدر وقد انتقل عن أصله من الظرفية إلى المفعولية لأنهم لم يروا فيها إنما رأوا نفسها يعني ألقاها الله تعالى في قلوبهم (في) ليالي (السبع الأواخر) من شهر رمضان جمع آخرة (وإن أناسًا) آخرين (أروها في العشر الأواخر) منه (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):

(التمسوها) اطلبوا ليلة القدر (في) ليالي (السبع الأواخر) صفة للسبع كالسابق والسبع داخلة في العشر فلما رأى قوم أنها في العشر وآخرون أنها في السبع كانوا كأنهم توافقوا على السبع، فأمرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالتماسها في السبع لتوافق الفريقين عليها، فجرى البخاري على عادته في إيثار الأخفى على الأجلى فلم يذكر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015