(وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان) لأنه الذي يخيل فيها أو أنها تناسب صفته من الكذب والتهويل وغير ذلك بخلاف الرؤيا الصادقة فأضيفت إلى الله إضافة تشريف وإن كان الجميع بخلق الله وتقديره كما أن الجميع عباد الله وإن كانوا عصاة قال تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} [الحجر: 42] و {عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} [الزمر: 53] (فليستعذ) بالله عز وجل (من شرها) أي من شر الرؤيا (ولا يذكرها لأحد) وفي مستخرج أبي نعيم حديث وإذا رأى أحدكم شيئًا يكرهه فلينفث ثلاث مرات ويتعوذ بالله من شرها. وفي باب الحلم من الشيطان عند المؤلّف فليبصق عن يساره، ولمسلم عن يساره حين يهب من نومه ثلاث مرات وعند المؤلّف في
باب إذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان وليتفل ثلاثًا ولا يحدث بها أحدًا (فإنها لا تضره).
ومحصله أن الرؤيا الصالحة آدابها ثلاثة حمد الله عليها وأن يستبشر بها، وأن يتحدث بها لكن لمن يحب دون من يكره وإن آداب الحلم أربعة التعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، وأن يتفل حين يستيقظ من نومه ولا يذكرها لأحد أصلاً. وفي حديث أبي هريرة عند المؤلّف في باب القيد في المنام وليقم فليصل لكن لم يصرح البخاري بوصله وصرح به مسلم، وعند مسلم وليتحول عن جنبه الذي كان عليه والحكمة في التفل كما قال بعضهم طرد الشيطان الذي حضر الرؤيا المكروهة أو إشارة إلى استقذاره. والصلاة جامعة لما ذكر على ما لا يخفى، وعند سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة عن إبراهيم النخعي قال: إذا رأى أحدكم في منامه ما يكره فليقل إذا استيقظ أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسوله من شر رؤياي هذه أن يصيبني منها ما أكره في ديني ودنياي، وفي النسائي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان خالد بن الوليد يفزع في منامه فقال: يا رسول الله إني أروع في المنام فقال: "إذا اضطجعت فقل بسم الله أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون".
وحديث الباب أخرجه الترمذي والنسائي في الرؤيا واليوم والليلة.
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة).
6986 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا لَقِيتُهُ بِالْيَمَامَةِ عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا حَلَمَ فَلْيَتَعَوَّذْ مِنْهُ وَلْيَبْصُقْ عَنْ شِمَالِهِ فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ». وَعَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدثنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير) اليماني (وأثنى عليه) مسدد (خيرًا) حال تحديثه (وقال لقيته باليمامة) بالتخفيف بين مكة والمدينة (عن أبيه) يحيى أنه قال: (حدّثنا أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي قتادة) الحارث بن ربعي -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإذا حلم) بفتح الحاء المهملة واللام بوزن ضرب (فليتعوذ) بالله (منه) من الشيطان (وليبصق) طردًا للشيطان وتحقيرًا واستقذارًا له (عن شماله) لأنه محل الأقذار والمكروهات (فإنها) أي الرؤيا المكروهة (لا تضره) لأن الله تعالى جعل ما ذكر من
التعوذ وغيره سببًا للسلامة من المكروه المترتب على الرؤيا كما جعل الصدقة وقاية للمال وسببًا لدفع البلاء قاله النووي -رحمه الله تعالى-، وقد ورد النفث والتفل والبصق فقيل: النفث والتفل بمعنى ولا يكونان إلا بريق، وقال أبو عبيد يشترط في التفل ريق يسير ولا يكون في النفث، وقيل عكسه، وقيل الذي يجمع الثلاثة الحمل على التفل فإنه نفخ معه ريق فبالنظر إلى النفخ قيل له نفث وبالنظر إلى الريق قيل له بصاق.
(و) بالسند السابق (عن أبيه) أي عن أبي عبد الله وهو يحيى بن أبي كثير واسم أبي كثير صالح بن المتوكل (قال: حدّثنا عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه) أبي قتادة الحارث (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله). أي مثل الحديث السابق. واعتراض الزركشي في تنقيحه على البخاري حيث قال وإدخاله حديث أبي قتادة في باب الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة لا وجه له أخذه من قول الإسماعيلي ليس هذا الحديث من هذا الباب