منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حكم في الظاهر يخالف الباطن وقد اتفق الأصوليون على أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يقرّ على الخطأ في الأحكام. فالجواب: أنه لا تعارض بين الحديث وقاعدة الأصول لأن مراد الأصوليين ما حكم فيه باجتهاده هل يجوز أن يقع فيه خطأ؟ فيه خلاف والأكثرون على أنه لا يخطئ في اجتهاده بخلاف غيره، وأما الذي في الحديث فليس من الاجتهاد في شيء لأنه حكم بالبيّنة ونحوها، فلو وقع منه ما يخالف الباطن لا يسمى الحكم خطأ، بل الحكم صحيح على ما استقر به التكليف وهو وجوب العمل بشاهدين مثلاً، فإن كانا شاهدي زور أو نحو ذلك فالتقصير منهما، وأما الحكم فلا حيلة له فيه ولا عيب عليه بسببه بخلاف ما إذا أخطأ في الاجتهاد.
والحديث سبق في المظالم والشهادات ويأتي إن شاء الله تعالى بعونه وقوته في الأحكام.
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه حكم شهادة الزور (في النكاح).
6968 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ وَلاَ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ» فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: «إِذَا سَكَتَتْ».
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ لَمْ تُسْتَأْذَنِ الْبِكْرُ وَلَمْ تَزَوَّجْ فَاحْتَالَ رَجُلٌ فَأَقَامَ شَاهِدَىْ زُورٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا، فَأَثْبَتَ الْقَاضِى نِكَاحَهَا وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاطِلَةٌ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَطَأَهَا، وَهْوَ تَزْوِيجٌ صَحِيحٌ.
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) أبو عمرو الفراهيدي الأزدي مولاهم البصري قال: (حدّثنا هشام) هو ابن أبي عبد الله سنبر بسين مهملة مفتوحة فنون ساكنة فموحدة مفتوحة بوزن جعفر الدستوائي قال: (حدّثنا يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة الطائي مولاهم أبو نصر اليماني (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لا تنكح البكر) بضم الفوقية مبنيًّا للمفعول أي لا تزوّج (حتى تستأذن) بالبناء للمفعول أيضًا أي يوجد منها الإذن (ولا الثيب) بالمثلثة التي زالت بكارتها (حتى تستأمر) بضم أوله يطلب أمرها وفرق بينهما لأن الأمر لا يكون إلا باللفظ والاذن بلفظ وغيره (فقيل: يا رسول الله كيف إذنها؟) أي إذن البكر (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إذا سكتت) بفوقيتين لأن الغالب من حالها أن لا تظهر إرادة النكاح حياء.
والحديث سبق في النكاح.
(وقال بعض الناس): هو الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- (إن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إذا (لم تستأذن البكر) بضم الفوقية مبنيًّا للمفعول (ولم تزوّج) أصله تتزوج فحذف إحدى التاءين تخفيفًا (فاحتال رجل فأقام شاهدي زور) بإضافة شاهدي للاحقه ولأبي ذر شاهدين زوزًا أي شهدا زورًا (أنه تزوجها برضاها فأثبت القاضي نكاحها بشهادتهما) ولأبي ذر عن الكشميهني نكاحه (والزوج) أي والحال أن الزوج (يعلم أن الشهادة باطلة فلا بأس أن يطأها) ولا يأثم بذلك (وهو تزويج صحيح) لأن مذهبه -رحمه الله- أن حكم القاضي ينفذ ظاهرًا وباطنًا.
6969 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ وَلَدِ جَعْفَرٍ تَخَوَّفَتْ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَلِيُّهَا وَهْىَ كَارِهَةٌ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى شَيْخَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَىْ جَارِيَةَ قَالاَ: فَلاَ تَخْشَيْنَ فَإِنَّ خَنْسَاءَ بِنْتَ خِذَامٍ أَنْكَحَهَا أَبُوهَا وَهْىَ كَارِهَةٌ فَرَدَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ. قَالَ سُفْيَانُ: وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ عَنْ أَبِيهِ إِنَّ خَنْسَاءَ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني وسقط لأبي ذر ابن عبد الله قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) بكسر العين الأنصاري (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق (أن امرأة) لم تسمّ (من ولد جعفر) قال الحافظ ابن حجر: يغلب على الظن أنه ابن أبي طالب قال: وتجاسر الكرماني فقال: المراد جعفر الصادق بن محمد الباقر وكان القاسم بن محمد جدّ جعفر الصادق لأمه اهـ.
وعند الإسماعيلي من رواية ابن أبي عمر عن سفيان أن امرأة من آل أبي جعفر (تخوفت أن يزوّجها وليها وهي) أي والحال أنها (كارهة فأرسلت إلى شيخين من الأنصار عبد الرحمن ومجمع) بضم الميم الأولى وكسر الثانية مشدّدة بينهما جيم مفتوحة آخره عين مهملة (ابني جارية) بالجيم والراء التحتية وهو جدهما وصحفه بعضهم بالحاء المهملة والمثلثة واسم أبيهما كما سبق في النكاح يزيد وزاد في رواية ابن أبي عمر تخبرهما أنه ليس لأحد من أمري شيء (قالا) لها: (فلا تخشين) بفتح الشين المعجمة على أنه خطاب للمرأة المتخوفة ومن معها، وفي رواية ابن أبي عمر فأرسلا إليها أن لا تخافي.
قال في الفتح: فدلّ على أنهما خاطبا من كانت أرسلته إليهما أو من أرسلا، وعلى الحالين فكان من أرسل في ذلك جماعة نسوة وظن السفاقسي أنه خطاب للمرأة وحدها فقال: الصواب فلا تخشين بكسر الياء وتشديد النون قال: ولو كان بلا تأكيد لحذفت النون اهـ.
(فإن خنساء) بفتح الخاء المعجمة وسكون النون وبالسين المهملة