واستكرهت بضم الفوقية وسكون الكاف وكسر الراء (في قوله) ولأبي ذر لقوله (تعالى: {ومن يكرههن}) أي الفتيات ({فإن الله من بعد إكراههنّ غفور رحيم}) [النور: 33] لهن ولعل الإكراه كان دون ما اعتبرته الشريعة وهو الذي يخاف منه التلف فكانت آثمة.
ومناسبة الآية للترجمة من حيث إن في الآية دلالة على أن لا إثم على المكرهة على الزنا فيلزم أن لا يجب عليها الحدّ.
6949 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى نَافِعٌ أَنَّ صَفِيَّةَ ابْنَةَ أَبِى عُبَيْدٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عَبْدًا مِنْ رَقِيقِ الإِمَارَةِ وَقَعَ عَلَى وَلِيدَةٍ مِنَ الْخُمُسِ، فَاسْتَكْرَهَهَا حَتَّى افْتَضَّهَا، فَجَلَدَهُ عُمَرُ الْحَدَّ وَنَفَاهُ، وَلَمْ يَجْلِدِ الْوَلِيدَةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا قَالَ الزُّهْرِىُّ: فِى الأَمَةِ الْبِكْرِ يَفْتَرِعُهَا الْحُرُّ يُقِيمُ ذَلِكَ الْحَكَمُ مِنَ الأَمَةِ الْعَذْرَاءِ بِقَدْرِ قِيمَتِهَا، وَيُجْلَدُ وَلَيْسَ فِى الأَمَةِ الثَّيِّبِ فِى قَضَاءِ الأَئِمَّةِ غُرْمٌ وَلَكِنْ عَلَيْهِ الْحَدُّ.
وبه قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام فيما وصله البغوي عن العلاء بن موسى عن الليث قال: (حدّثني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (أن صفية ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي عبيد) بضم العين وفتح الموحدة الثقفية ابنة عبد الله بن عمر (أخبرته أن عبدًا من رقيق الإمارة) بكسر الهمزة من مال الخليفة عمر -رضي الله عنه- (وقع على وليدة) جارية (من الخمس) الذي يتصرف فيه الإمام أي زنى بها (فاستكرهها حتى اقتضها) بالقاف والضاد المعجمة المشددة أزال بكارتها والقضة بكسر القاف عذرة البكر (فجلده عمر) -رضي الله عنه- (الحدّ ونفاه) غربه من أرض الجناية نصف سنة لأن حده نصف حد الحر وفيه أن عمر كان يرى أن الرقيق ينفى كالحر (ولم يجلد الوليدة من أجل أنه استكرهها). قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على اسم واحد منهما وعند ابن أبي شيبة مرفوعًا بسند ضعيف عن وائل بن حجر قال: استكرهت امرأة في الزنا فدرأ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنها الحد (قال) ولأبي ذر وقال (الزهري) محمد بن مسلم (في الأمة البكر يفترعها) بالفاء والعين المهملة يقتضها (الحر يقيم) يقوّم (ذلك) الافتراع (الحكم) بفتحتين أي الحاكم (من الأمة العذراء بقدر قيمتها) أي من المفترع دية الافتراع بنسبة قيمتها وهو إرش النقص أي التفاوت بين كونها بكرًا وثيبًا ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر بقدر ثمنها (ويجلد وليس في الأمة الثيب) بالمثلثة (في قضاء الأمة غرم) بضم الغين المعجمة وسكون الراء غرامة (ولكن عليه الحد).
6950 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ بِسَارَةَ دَخَلَ بِهَا قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ مِنَ الْمُلُوكِ -أَوْ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ- فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ أَرْسِلْ إِلَىَّ بِهَا، فَأَرْسَلَ بِهَا فَقَامَ إِلَيْهَا فَقَامَتْ تَوَضَّأُ وَتُصَلِّى فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ، فَلاَ تُسَلِّطْ عَلَىَّ الْكَافِرَ فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هاجر إبراهيم) خليل الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من العراق إلى الشأم أو من بيت المقدس إلى مصر (بسارة) زوجته أم إسحاق عليهما السلام (دخل بها قرية) تسمى حران بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء وبعد الألف نون بين دجلة والفرات وقيل الأردن وقيل مصر (فيها ملك) بكسر اللام (من الملوك أو جبار من الجبابرة) بالشك من الراوي (فأرسل) الملك (إليه) إلى الخليل عليه الصلاة والسلام (أن أرسل) بهمزة قطع بعد سكون نون أن (إليّ) بتشديد الياء (بها) بسارة (فأرسل بها) الخليل إليه بعد إكراه الجبار له على إرسالها إليه (فقام إليها) ليصيبها (فقامت توضأ) أصله تتوضأ فحذفت إحدى التاءين (وتصلي فقالت: اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك) إبراهيم أي إن كنت مقبولة الإيمان عندك (فلا تسلط عليّ) هذا (الكافر) الجبار (فغط) بفتح الفاء وضم الغين المعجمة وتشديد الطاء المهملة أي خنق وصرع (حتى ركض) حرك (برجله).
ومناسبة هذه القصة غير ظاهرة وليس فيها إلا سقوط الملامة عن سارة في خلوة الجبار بها لأنها مكرهة لكن ليس الباب معقودًا لذلك وإنما هو معقود لاستكراه المرأة على الزنا قاله ابن المنير، وقال ابن بطال، وتبعه في الكواكب وجه دخوله هنا مع أن سارة عليها السلام كانت معصومة من كل سوء أنه لا ملامة عليها في الخلوة مكرهة فكذا المستكرهة على الزنا لا حدّ عليها.
والحديث سبق في آخر البيع وأحاديث الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.
وَكَذَلِكَ كُلُّ مُكْرَهٍ يَخَافُ فَإِنَّهُ يَذُبُّ عَنْهُ الْمَظَالِمَ وَيُقَاتِلُ دُونَهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ، فَإِنْ قَاتَلَ دُونَ الْمَظْلُومِ فَلاَ قَوَدَ عَلَيْهِ وَلاَ قِصَاصَ، وَإِنْ قِيلَ لَهُ لَتَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ، أَوْ لَتَأْكُلَنَّ الْمَيْتَةَ أَوْ لَتَبِيعَنَّ عَبْدَكَ، أَوْ تُقِرُّ بِدَيْنٍ أَوْ تَهَبُ هِبَةً وَتَحُلُّ عُقْدَةً، أَوْ لَنَقْتُلَنَّ أَبَاكَ أَوْ أَخَاكَ فِى الإِسْلاَمِ وَسِعَهُ ذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ». وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَوْ قِيلَ لَهُ لَتَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ أَوْ لَتَأْكُلَنَّ الْمَيْتَةَ أَوْ لَنَقْتُلَنَّ ابْنَكَ أَوْ أَبَاكَ أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، لَمْ يَسَعْهُ لأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ ثُمَّ نَاقَضَ فَقَالَ: إِنْ قِيلَ لَهُ لَنَقْتُلَنَّ أَبَاكَ، أَوِ ابْنَكَ أَوْ لَتَبِيعَنَّ هَذَا الْعَبْدَ، أَوْ تُقِرُّ بِدَيْنٍ أَوْ تَهَبُ يَلْزَمُهُ فِى الْقِيَاسِ، وَلَكِنَّا
نَسْتَحْسِنُ وَنَقُولُ: الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ، وَكُلُّ عُقْدَةٍ فِى ذَلِكَ بَاطِلٌ، فَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِى رَحِمٍ مُحَرَّمٍ، وَغَيْرِهِ بِغَيْرِ كِتَابٍ وَلاَ سُنَّةٍ وَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَالَ: إِبْرَاهِيمُ لاِمْرَأَتِهِ هَذِهِ أُخْتِى» وَذَلِكَ فِى اللَّهِ وَقَالَ النَّخَعِىُّ: إِذَا كَانَ الْمُسْتَحْلِفُ ظَالِمًا فَنِيَّةُ الْحَالِفِ وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَنِيَّةُ الْمُسْتَحْلِفِ.
(باب يمين الرجل لصاحبه أنه أخوه إذا خاف عليه القتل) بأن يقتله إن لم يحلف اليمين التي أكرهه الظالم عليها (أو نحوه) كقطع اليد لا حنث عليه كما قاله ابن بطال عن مالك والجمهور ولفظه: ذهب مالك والجمهور إلى أنّ من أكره على يمين إن لم يحلفها قتل