هذه الأمة) الحميدية (ولم يقل منها) فيه ضبط للرواية وتحرير لمواقع الألفاظ وإشعار بأنهم ليسوا من هذه الأمة فظاهره أنه يرى إكفارهم، لكن في مسلم من حديث أبي ذر: سيكون بعدي من أمتي قوم، وعنده من طريق زيد بن وهب عن عليّ: يخرج قوم من أمتي. قال في الفتح: فيجمع بينه وبين حديث أبي سعيد بأن المراد في حديث أبي سعيد بالأمة أمة الإجابة وفي غيره أمة الدعوة (قوم تحقرون) بفتح الفوقية وكسر القاف أي تستقلون (صلاتكم مع صلاتهم) وعند الطبري عن عاصم أنه وصف أصحاب نجدة الحروري بأنهم يصومون النهار ويقومون الليل، وعند مسلم من حديث عليّ: ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئًا ولا صلاتكم إلى صلاتهم شيئًا (يقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم أو حناجرهم) فلا تفقهه قلوبهم ولا ينتفعون بما يتلونه منه أو لا تصعد تلاوتهم في جملة الكلم الطيب إلى الله تعالى (يمرقون من الدين) المحمدي (مروق السهم من الرمية) أي الصيد الذي يصاب بالسهم فيدخل فيه ويخرج منه فلا يعلق من جسد الصيد شيء به لسرعة خروجه (فينظر الرامي إلى سهمه إلى نصله) بدل من سهمه وهو حديدة السهم (إلى رصافه) بكسر الراء بعدها صاد مهملة فألف ففاء فهاء العصب الذي يكون فوق مدخل النصل أي ينظر إليه جملة وتفصيلاً، وعند الطبري من رواية أبي ضمرة عن يحيى بن سعيد ينظر إلى سهمه فلا يرى شيئًا ثم ينظر إلى نصله ثم إلى رصافه (فيتمارى) بفتح التحتية والراء كذا في الفرع يشك (في الفوقة) بضم الفاء وفتح القاف بينهما واو ساكنة موضع الوتر من السهم ولأبي ذر فيتمارى بضم التحتية (هل علق) بكسر اللام (بها من الدم شيء) فكذلك قراءتهم لا يحصل لهم منها شيء من الثواب لا أولاً ولا آخرًا ولا وسطًا لأنهم تأوّلوا القرآن على غير الحق، لكن قال ابن بطال: ذهب جمهور العلماء إلى أن الخوارج غير خارجين من جملة المسلمين لقوله فيتمارى في الفوقة لأن التماري من الشك، وإذا وقع الشك في ذلك لم يقطع عليهم بالخروج من الإسلام لأن من ثبت له عقد الإسلام بيقين لم يخرج منه إلا بيقين، وتعقب بأن في بعض طرق الحديث المذكور لم يعلق منه بشيء، وفي بعضها سبق الفرث والدم ويجمع بينهما بأنه تردد هل في الفوقة شيء أو لا ثم تحقق أنه لم يعلق بالسهم ولا بشيء منه من المرمي شيء.
والحديث سبق في علامات النبوّة والأدب وفضائل القرآن.
6932 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى عُمَرُ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَذَكَرَ الْحَرُورِيَّةَ فَقَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) أبو سعيد الجعفي الكوفي نزيل مصر قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (ابن وهب) عبد الله المصري قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا ولأبي ذر حدّثنا (عمر) بضم العين ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وذكر أبو علي الجياني عن الأصيلي قال: قرأه علينا أبو زيد في عرضه ببغداد عمرو بن محمد بفتح العين وهو وهم والصواب
ضمها كما مرّ (أن أباه حدثه عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنهما- (و) الحال أنه (ذكر الحرورية فقال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية) فقوله: وذكر الحرورية جملة حالية تفيد أنه حدث بالحديث عند ذكر الحرورية، وساق هذا الحديث بعد حديث أبي سعيد إشارة إلى أن توقف أبي سعيد المذكور محمول على أنه لم ينص في الحديث المرفوع على تسميتهم بخصوص هذا الاسم لا أن الحديث لم يرد فيهم قاله في الفتح؛ وفي الحديث أنه لا يجوز قتال الخوارج وقتلهم إلا بعد إقامة الحجة عليهم بدعائهم إلى الرجوع إلى الحق والإعذار إليهم، وإلى ذلك أشار البخاري في الترجمة بالآية المذكورة فيها، واستدلّ به لمن قال بتكفير الخوارج وهو مقتضى صنيع البخاري في الترجمة حيث قرنهم بالملحدين وأفرد عنهم المتأولين بترجمة. واستدلّ القاضي أبو بكر بن العربي لتكفيرهم بقوله في الحديث: "يمرقون من الإسلام" وبقوله: "أولئك هم شرار الخلق" وقال الشيخ تقي الدين السبكي في فتاويه: احتج من كفر الخوارج وغلاة الروافض بتكفيرهم أعلام الصحابة لتضمنه تكذيب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في شهادته لهم بالجنة قال: وهو