وكسر الميم (أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن عند مسلم حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله ويؤمنوا بي وبما جئت به (فمن قال لا إله إلا الله عصم) ولأبي ذر فقد عصم (مني ما له ونفسه) فلا يجوز هدر دمه واستباحة ماله بسبب من الأسباب (إلا بحقه) إلا بحق الإسلام من قتل نفس محرمة أو ترك صلاة أو منع زكاة بتأويل باطل (وحسابه على الله) فتترك مقاتلته ولا يفتش باطنه هل هو مخلص أم لا فإن ذلك إلى الله وحسابه عليه.
6925 - قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِى عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَأَيْتُ أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِى بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ.
(قال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق) بتشديد الراء وتخفف (بين الصلاة والزكاة) بأن أقرّ بالصلاة وأنكر الزكاة جاحدًّا أو مانعًا مع الاعتراف، وإنما أطلق في أول الحديث الكفر ليشمل المصنفين، وإنما قاتلهم الصديق ولم يعذرهم بالجهل لأنهم نصبوا القتال فجهز إليهم من دعاهم إلى الرجوع فلما أصروا قاتلهم. وقال المازري: ظاهر السياق أن عمر كان موافقًا على قتال من جحد الصلاة فألزمه الصديق بمثله في الزكاة لورودهما في الكتاب والحديث موردًا واحدًا، ثم استدلّ أبو بكر -رضي الله عنه- لمنع التفرقة التي ذكرها بقوله (فإن الزكاة حق المال) كما أن الصلاة حق النفس فمن صلّى عصم نفسه ومن زكى عصم ماله. قال الطيبي: هذا الردّ يدل على أن عمر -رضي الله عنه- حمل الحق في قوله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه على غير الزكاة وإلا لم يستقم استشهاده بالحديث على منع المقاتلة ولا ردّ أبي بكر -رضي الله عنه- بقوله: فإن الزكاة حق المال (والله لو منعوني عناقًا) بفتح العين الأنثى من ولد المعز وفي رواية ذكرها أبو عبيد لو منعوني جديًا أذوط وهو الصغير الفك والذقن وهو يؤيد أن الرواية عناقًا فرواية عقالاً المروية في مسلم وهم كما قال بعضهم قيل وإنما ذكر العناق مبالغة في التقليل لا العناق نفسها لكن قال النووي إنها كانت صغارًا فماتت أمهاتها في بعض الحول فتزكى بحول أمهاتها ولو لم يبق من الأمهات شيء على الصحيح ويتصوّر فيما إذا مات معظم الكبار وحدث صغار فحال الحول في الكبار على بقيتها وعلى الصغار (كانوا يؤدّونها إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقاتلتهم على منعها. قال عمر) -رضي الله عنه-:
(فوالله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت) من صحة احتجاجه (أنه الحق) لا أنه قلده في ذلك لأن المجتهد لا يقلد مجتهدًا والمستثنى منه في قوله ما هو إلا أن رأيت غير مذكور أي ليس الأمر شيئًا إلا علمي بأن أبا بكر محق وهو نحو قوله تعالى: {وما هي إلا حياتنا الدنيا} [الجاثية: 24] هي ضمير مبهم يفسره ما بعده.
والحديث سبق في الزكاة.
وَلَمْ يُصَرِّحْ نَحْوَ قَوْلِهِ السَّامُ عَلَيْكَ.
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا عرض الذمي) اليهودي أو النصراني (وغيره) أي غير الذمي كالمعاهد ومن يظهر إسلامه وعرض بتشديد الراء أي كنى ولم يصرح (بسب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي بتنقيصه (ولم يصرح) بذلك وهو تأكيد إذ التعريض خلاف التصريح (نحو قوله: السام عليك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: عليكم بالجمع، واعترض بأن هذا اللفظ ليس فيه تعريض بالسب فلا مطابقة بينه وبين الترجمة. وأجيب بأنه أطلق التعريض على ما يخالف التصريح ولم يرد التعريض المصطلح وهو أن يستعمل اللفظ في حقيقته يلوح به إلى معنى آخر يقصده.
6926 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنَسِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: مَرَّ يَهُودِىٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: السَّامُ عَلَيْكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَعَلَيْكَ» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ: قَالَ السَّامُ عَلَيْكَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نَقْتُلُهُ قَالَ: «لاَ، إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن) الكسائي نزيل بغداد ثم مكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن هشام بن زيد بن أنس) ولغير أبي ذر زيادة ابن مالك (قال: سمعت) جدي (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (يقول: مرّ يهودي برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: السام) بألف بعد المهملة من غير همز أي الموت (عليك) بالإفراد اتفاقًا من رواة أنس (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له:
(وعليك) بالإفراد (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أتدرون ما يقول)؟ ولأبي ذر: ماذا يقول (قال: السام عليك. قالوا: يا رسول الله ألا) بالتخفيف (نقتله؟ قال: لا) تقتلوه (إذا سلّم عليكم أهل الكتاب فقولوا) لهم: (وعليكم)