أمه أتت به من الزنا (فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له:
(هل لك من إبل قال) الرجل: (نعم، قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ما ألوانها؟) ما مبتدأ من أسماء الاستفهام وألوانها الخبر (قال) الرجل ألوانها (حمر) جمع أحمر وأفعل فعلاء لا يجمع إلا على فعل (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فيها) ولأبي ذر هل فيها أي جمل (أورق) لا ينصرف كأسود في لونه بياض إلى سواد من الورقة وهو اللون الرمادي ومنه قيل للحمامة ورقاء، ولأبي ذر عن الحموي من أورق بزيادة من في اسم كان الذي هو أورق وزيدت هنا لتقدم الاستفهام الذي هو بمعنى النفي وصح ذلك فيها كما صح في قوله تعالى: {أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر}
[الأحقاف: 33] قالوا الباء زائدة في خبر إن لتقدم معنى النفي على الجملة (قال) الرجل (نعم) فيها أورق (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأنّى) بفتح الهمزة والنون المشددة أي من أين (كان ذلك) اللون الأورق وأبواها ليسا بهذا اللون (قال) الرجل (أراه) بضم الهمزة أي أظنه (عرق) بكسر العين المهملة وسكون الراء بعدها قاف أي أصل من النسب ومنه فلان معرق في النسب والحسب، وفي المثل: العرق نزّاع، والعرق الأصل مأخوذ من عرق الشجر (نزعه) بفتح النون والزاي والعين جذبه إليه وقلبه، وأخرجه من لون أبويه والمعنى أن ورقها إنما جاء لأنه كان في أصولها البعيدة ما كان في هذا اللون (قال) عليه الصلاة والسلام (فلعل ابنك هذا نزعه عرق).
قال الخطابي: وإنما سأله عن ألوان الإبل لأن الحيوانات تجري طباع بعضها على مشاكلة بعض في اللون والخلقة وقد يندر منها شيء لعارض فكذلك الآدمي يختلف بحسب نوادر الطباع ونوازع العروق انتهى.
وفائدة الحديث المنع عن نفي الولد بمجرد الأمارات الضعيفة بل لا بدّ من تحقق وظهور دليل قويّ كأن لا يكون وطئها أو أتت بولد قبل ستة أشهر من مبدأ وطئها، واستدلّ به الشافعي على أن التعريض بالقذف لا يعطى حكم التصريح فتبعه البخاري حيث أورد هذا الحديث فليس التعريض قذفًا وإلاّ لما كان تعريضًا. وقال المالكية: التعريض من غير الأب إذا أفهم الرمي بالزنا أو اللواط أو نفي النسب كالتصريح في ترتب الحدّ كقوله لمن يخاصمه: أما أنا فلست بزان أو لست بلائط أو أبي معروف وهو ثمانون جلدة والحديث سبق في الطلاق.
هذا (باب) بالتنوين (كم التعزير والأدب) تنقسم كم إلى استفهامية بمعنى أيّ عدد قليلاً كان أو كثيرًا وإلى خبرية بمعنى عدد كثير والمراد هنا الأول والتعزير مصدر عزر. قال في الصحاح: التعزير التأديب ومنه سمي الضرب دون الحدّ تعزيرًا، وقال في المدارك: وأصل العزر المنع ومنه التعزير لأنه منع من معاودة القبيح انتهى.
ومنه عزره القاضي أي أدّبه لئلا يعود إلى القبيح ويكون بالقول والفعل بحسب ما يليق به، وأما الأدب فبمعنى التأديب وهو أعمّ من التعزير لأن التعزير يكون بسبب المعصية بخلاف الأدب ومنه تأديب الوالد وتأديب المعلم.
6848 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى يَزِيدُ بْنُ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ إِلاَّ فِى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ». [الحديث 6848 - طرفاه في: 6849، 6850].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد (يزيد بن أبي حبيب) أبو رجاء المصري واسم أبي حبيب سويد (عن بكير بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الكاف ابن الأشج (عن سليمان بن يسار) ضد اليمين (عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله) الأنصاري (عن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء هانئ بن نيار بكسر النون وتخفيف التحتية الأوسي (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(لا يجلد) بضم التحتية وسكون الجيم وفتح اللام جملة معمولة للقول خبر بمعنى الأمر والفعل مبني لما لم يسم فاعله والمفعول محذوف يدل عليه السياق أي لا يجلد أحد (فوق عشر جلدات) بفتحات مصححًا عليه في الفرع كأصله (إلا في حدّ من حدود الله). عز وجل والمجرور متعلق بيجلد فيكون الاستثناء مفرغًا لأن ما قبل إلا عمل فيما بعدها ومن حدود الله متعلق بصفة لحد والتقدير إلاّ في موجب حدّ من حدود الله تعالى.
قال في الفتح: ظاهره أن المراد بالحدّ ما ورد فيه