وفتح التاء ولأبي ذر بضمها "تفتدي به" بالفاء من العذاب (فيقول نعم فيقول) الله تعالى (أردت منك أهون) أي أسهل (من هذا وأنت في صلب آدم) حين أخذت الميثاق (أن لا تشرك بي شيئًا فأبيت) فامتنعت حين أبرزتك إلى الدنيا (إلا أن تشرك بي) الاستثناء مفرّغ وإنما حذف المستثنى منه مع أنه كلام موجب لأن في الإباء معنى الامتناع فيكون نفيًا معنى أي ما اخترت إلا الشرك وظاهر قوله أردت منك يوافق مذهب المعتزلة لأن المعنى أردت منك التوحيد فخالفت مرادي وأتيت بالشرك. وأجيب: بأن الإرادة هنا بمعنى الأمر أي أمرتك فلم تفعل لأنه سبحانه وتعالى لم يكن في ملكه إلا ما يريد، وقال الطيبي: والأظهر أن تحمل الإرادة هنا على أخذ الميثاق في آية {وإذ أخذ ربك من بني آدم} [الأعراف: 172] لقرينة وأنت في صلب آدم ويحمل الإباء على نقض العهد.
والحديث سبق في باب قول الله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة} [البقرة: 30] من خلق آدم وفي باب من نوقش الحساب.
6558 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ، كَأَنَّهُمُ الثَّعَارِيرُ» قُلْتُ: مَا الثَّعَارِيرُ؟ قَالَ: «الضَّغَابِيسُ» وَكَانَ قَدْ سَقَطَ فَمُهُ فَقُلْتُ لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَبَا مُحَمَّدٍ سَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَخْرُجُ بِالشَّفَاعَةِ مِنَ النَّارِ» قَالَ: نَعَمْ.
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي الحافظ عارم قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد بن درهم الإمام أبو إسماعيل الأزدي (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه-) وعن أبيه (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(يخرج من النار بالشفاعة) بحذف الفاعل. قال في الفتح: وثبت في رواية أبي ذر عن السرخسي يخرج قوم ولمسلم عن أبي الربيع الزهراني عن حماد بن زيد يخرج الله قومًا من النار بالشفاعة (كأنهم الثعارير) بمثلثة مفتوحة فعين مهملة وبعد الألف راءان بينهما تحتية ساكنة جمع ثعرور بضم أوله كعصفور صغار القثاء شبهوا بها لأن القثاء تمنى سريعًا وقيل هو رؤوس الطراثيث تكون بيضاء شبهوا ببياضها واحدها طرثوث وهو نبت يؤكل قال حماد (قلت) لعمرو: (ما) ولأبي
ذر عن الكشميهني وما (الثعارير؟ قال) عمرو: (الضغابيس) بالضاد والغين المعجمتين المفتوحتين وبعد الألف موحدة مكسورة فتحتية ساكنة فسين مهملة وهي صغار القثاء واحدتها ضعبوس، وقيل هي نبت ينبت في أصول الثمام يشبه الهليون يسلق بالخل والزيت ويؤكل، وقال أبو عبيد: ويقال الشعارير بالشين المعجمة بدل المثلثة، قال في الفتح: وكان هذا هو السبب في قول الراوي (وكان) عمرو (قد سقط فمه) أي سقطت أسنانه فنطق بها مثلثة وهي شين معجمة. قال الكرماني: ولذا لقب بالأثرم بالمثلثة وفتح الراء إذ الثرم انكسار الأسنان انتهى. وهذا التشبيه لصفتهم بعد أن ينبتوا وأما في أول خروجهم من النار فإنهم يكونون كالفحم كما يأتي إن شاء الله تعالى بعد، وقال حماد أيضًا (فقلت لعمرو بن دينار: أبا محمد) بحذف أداة النداء ولأبي ذر عن الكشميهني يا أبا محمد (سمعت) بهمزة الاستفهام المقدّرة أي أسمعت (جابر بن عبد الله) -رضي الله عنهما- (يقول: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(يخرج بالشفاعة من النار) قوم؟ (قال: نعم) سمعته يقول ذلك وفيه إبطال مذهب المعتزلة القائلين بنفي الشفاعة للعصاة متمسكين بقوله تعالى: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} [المدثر: 48] وأجيب: بأنها في الكفار وقد تواترت الأحاديث في إثباتها.
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان.
6559 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بَعْدَ مَا مَسَّهُمْ مِنْهَا سَفْعٌ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فَيُسَمِّيهِمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَهَنَّمِيِّينَ». [الحديث 6559 - طرفه في 7450].
وبه قال: (حدّثنا هدبة بن خالد) بضم الهاء وسكون الدال المهملة بعدها موحدة مفتوحة فهاء تأنيث القيسي البصري الحافظ هداب قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم بعدها ألف فميم ابن يحيى العوذي الحافظ (عن قتادة) بن دعامة أنه قال: (حدّثنا أنس بن مالك) -رضي الله عنه- ولأبي ذر عن أنس (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(يخرج قوم من النار بعد ما مسهم منها سفع) بفتح السين المهملة وسكون الفاء بعدها عين مهملة سواد فيه زرقة أو صفرة يقال: سفعته النار إذا لفحته فغيرت لون بشرته والسوافع لوائح السموم (فيدخلون الجنة فيسميهم أهل الجنة الجهنميين) بالتحتيتين بعد الميم، ولأبي ذر بتحتية واحدة، وفي حديث جابر عند ابن حبان والبيهقي فكتب في رقابهم عتقاء الله