بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار قال: (حدّثنا سهل بن سعد الساعدي) -رضي الله عنه- (قال: كنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالخندق) ولغير أبي الوقت في الخندق (وهو يحفر) بكسر الفاء فيه (ونحن ننقل التراب) زاد في مناقب الأنصار على أكتادنا وفسر ثم بما بين الكاهل إلى الظهر (ويمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من المرور ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وبصر (بنا فقال):
(اللهم لا عيش إلا عيش الأخره ... فاغفر للأنصار والمهاجره)
الرواية الأولى فأصلح الأنصار وهذه فاغفر، وفي أخرى فأكرم، ومطابقته للترجمة ظاهرة وفيه إشارة إلى تحقير عيش الدنيا لما يعرض له من التكدير والتنغيص وسرعة الزوال.
والحديث سبق في مناقب الأنصار.
(تابعه سهل بن سعد عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله). وهذا ثابت في رواية غير أبي ذر ساقط منها ويحتاج كما قال صاحب التلويح فيما نقله عنه في عمدة الفاري إلى نظر طويل. قال غيره: إنه ليس بموجود في نسخ البخاري قال: فينبغي إسقاطه اهـ.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِى الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد: 20].
(باب مثل الدنيا في الآخرة) الجار والمجرور يتعلق بمحذوف تقديره مثل الدنيا بالنسبة إلى الآخرة وكلمة في بمعنى إلى كقوله تعالى: {فردّوا أيديهم في أفواههم} [إبراهيم: 9] والخبر
محذوف تقدير كمثل لا شيء وفي حديث المستورد المروي في مسلم مرفوعًا: ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع. قال الطيبي: أي مثل الدنيا في جنب الآخرة وهو تمثيل على سبيل التقريب وإلاّ فأين المناسبة بين المتناهي وغير المتناهي؟
(وقوله تعالى: {إنما الحياة الدنيا لعب}) كعب الصبيان ({ولهو}) كلهو القيان ({وزينة}) كزينة النسوان ({وتفاخر بينكم}) كتفاخر الأقران ({وتكاثر}) كتكاثر الرهبان ({في الأموال والأولاد}) أي مباهاة بهما التكاثر ادّعاء الاستكثار ({كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرًّا) بعد خضرته ({ثم يكون حطامًا}) متفتتًا شبه حال الدنيا وسرعة تقضيها مع قلة جدواها بنبات أنبته الغيث فاستوى وقوي وأعجب به الكفار الجاحدون لنعمة الله فيما رزقهم من الغيث والنبات فبعث عليه العاهة فهاج واصفرّ وصار حطامًا عقوبة لهم على جحودهم كما فعل بالصحابي الجنة وصاحب الجنتين، وقيل الكفار الزراع. وقال العماد بن كثير: أي أعجب الزراع نبات ذلك الزرع الذي نبت بالغيث وكما يعجب الزراع ذلك كذلك تعجب الحياة الدنيا الكفار فإنهم أحرص شيء عليها وأميل الناس إليها ثم يهيج فتراه مصفرًّا ثم يكون حطامًا أي يهيج ذلك الزرع فتراه مصفرًّا بعدما كان أخضر نضرًا ثم يصير يبسًا متحطمًا هكذا الحياة الدنيا تكون أولاً شابّة ثم تكتهل ثم تكون عجوزًا شوهاء، والإِنسان كذلك يكون في أول عمره وعنوان شبابه غضًّا طريًّا لين الأعطاف بهيّ المنظر، ثم إنه يشرع في الكهولة فتتغير طباعه ويفقد بعض قواه ثم يكبر فيصير شيخًا كبيرًا ضعيف القوى قليل الحركة يعجز عن المشي اليسير ولما كان هذا المثل دالاًّ على زوال الدنيا وانقضانها والآخرة كائنة لا محالة حذّر من أمرها ورغّب فيما فيها من الخيرات فقال: ({وفي الآخرة عذاب شديد}) للكفار ({ومغفرة من الله ورضوان}) للمؤمنين ({وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}) [الحديد: 20] لمن ركن إليها واعتمد عليها قال ذو النون المصري: يا معشر المريدين لا تطلبوا الدنيا وإن طلبتموها فلا تحبوها فإن الزاد منها والمقيل في غيرها وسقط من قوله وزينة الخ في رواية أبي ذر وقال عقب قوله {ولهو} إلى قوله {متاع الغرور}.
6415 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَوْضِعُ سَوْطٍ فِى الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَغَدْوَةٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ -أَوْ رَوْحَةٌ- خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه) أبي حازم سلمة بن دينار (عن سهل) بفتح السين ابن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها ولغدوة) بلام التأكيد (في سبيل الله) شامل للجهاد وغيره (أو روحة) للتنويع لا للشك (خير من الدنيا وما فيها).
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كن في الدنيا كأنك