للثاني وعلامة عليه (ومن فتنة النار) هي سؤال الخزنة على سبيل التوبيخ وإليه الإشارة بقوله تعالى: {كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير} [الملك: 8] (وعذاب النارَ) بعد فتنتها (ومن شرّ فتنة الغنى) كالبطر والطغيان وعدم تأدية الزكاة (وأعوذ بك من فتنة الفقر) كأن يحمله الفقر على اكتساب الحرام أو التلفظ بكلمات مؤدية إلى الكفر.
قال في الكواكب: فإن قلت: لِمَ زاد لفظ الشرّ في الغنى ولم يذكره في الفقر ونحوه؟ وأجاب: بأنه تصريح بما فيه من الشر وأن مضرّته أكثر من مضرّة غيره أو تغليظًا على الأغنياء حتى لا يغترّوا بغناهم ولا يغفلوا عن مفاسده أو إيماء إلى أن صورة أخواته لا خير فيها بخلاف صورته فإنها قد تكون خيرًا اهـ.
وتعقبه في الفتح بأن هذا كله غفلة عن الواقع فإن الذي ظهر لي أن لفظة شرّ في الأصل ثابتة في الموضعين، وإنما اختصره بعض الرواة فسيأتي بعد قليل في باب الاستعاذة من أرذل العمر من طريق وكيع وأبي معاوية مفرّقًا عن هشام بسنده هذا بلفظ: وشرّ فتنة الغنى وشر فتنة الفقر، ويأتي بعد أبواب أيضًا إن شاء الله تعالى من رواية سلام بن أبي مطيع عن هشام بإسقاط شر من الموضعين والتقييد في الغنى والفقر لا بدّ منه لأن كلاًّ منهما فيه خير باعتبار فالتقييد في الاستعاذة منه بالشر يخرج ما فيه من الخير سواء قلّ أم أكثر اهـ.
وتعقبه العيني فقال: هذا غفلة منه حيث يدعي اختصار بعض الرواة بغير دليل على ذلك قال: وأما قوله وسيأتي بعد لفظة شر فتنة الغنى وشر فتنة الفقر فلا يساعده فيما قاله لأن للكرماني أن يقول: يحتمل أن يكون لفظ شر فتنة الفقر مدرجًا من بعض الرواة على أنه لم ينف مجيء لفظ شر في غير الغنى ولا يلزمه هذا لأنه في بيان هذا الموضع الذي وقع هنا خاصة اهـ.
قال الحافظ ابن حجر في انتقاض الاعتراض: حكاية هذا الكلام أي الذي قاله العيني تغني العارف عن التشاغل بالردّ عليه.
(وأعوذ بك من فتنة المسيح) بفتح الميم وكسر السين آخره حاء مهملتين (الدجال) بتشديد الجيم الأعور الكذاب وهذه الفتنة وإن كانت من جملة فتنة المحيا لكن أعيدت تأكيدًا لعظمها وكثرة شرها أو لكونها تقع في محيا أناس مخصوصين وهم الذين في زمن خروجه وفتنة المحيا عامة لكل أحد فتغايرا (اللهم اغسل عني خطاياي) جمع خطيئة (بماء الثلج) بالمثلثة (والبرد) بفتح الموحدة والراء هو حب الغمام، وفي باب ما يقول بعد التكبير في أوائل صفة الصلاة بالماء والثلج والبرد، وقال التوربشتي: ذكر أنواع المطهرات المنزلة من السماء التي لا يمكن حصول الطهارة الكاملة إلا بها تبيانًا لأنواع المغفرة التي لا يخلص من الذنوب إلا بها أي طهرني من الخطايا بأنواع مغفرتك التي هي في تمحيص الذنوب بمثابة هذه الأنواع الثلاثة في إزالة الأرجاس والأوصاب ورفع الجنابة
والأحداث. وقال الطيبي: ويمكن أن يقال ذكر الثلج والبرد بعد ذكر الماء المطلوب منهما شمول أنواع الرحمة بعد المغفرة لإطفاء حرارة عذاب النار التي هي في غاية الحرارة لأن عذاب النار يقابله الرحمة فيكون التركيب من باب قوله متقلدًا سيفًا ورمحًا. أي اغسل خطاياي بالماء أي اغفرها وزد على الغفران شمول الرحمة.
(ونق) بفتح النون وتشديد القاف (قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس) أي الوسخ ونقيت بفتح المثناة الفوقية وهو تأكيد للسابق ومجاز عن إزالة الذنوب ومحو أثرها (وباعد) أبعد (بيني وبين خطاياي كما باعدت) أي كتبعيدك (بين المشرق والمغرب) أي حل بيني وبينها حتى لا يبقى لها مني اقتراب الكلية.
وسبق الحديث في صفة الصلاة.
كُسالى وَكَسالى واحِدٌ.
(باب الاستعاذة من الجبن) بضم الجيم وسكون الموحدة (و) الاستعاذة من (الكسل) بفتح الكاف والمهملة (كسالى) بضم الكاف (وكسالى) بفتحها (واحد) وبالأول قرأ الجمهور وبالآخر قرأ الأعرج وهو لغة تميم وهذا ثابت هنا لأبي ذر وأبي الوقت عن المستملي.
6369 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ أَبِى عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ».
وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم بينهما معجمة ساكنة