فاغفر لي بزيادة فاء (فإنه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت).

قال في شرح المشكاة: اعترف أولاً بأنه أنعم عليه ولم يقيده ليشمل كل النعم، ثم اعترف بالتقصير وأنه لم يقم بأداء شكرها وعدّه ذنبًا مبالغة في التقصير وهضم النفس اهـ.

قال في الفتح: ويحتمل أن يكون قوله: وأبوء لك بذنبي اعترافًا بوقوع الذنب مطلقًا ليصح الاستغفار منه لا أنه عدّ ما قصر فيه من أداء النعم ذنبًا. (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ومن قالها) أي الكلمات (من النهار موقنًا) مخلصًا (بها) من قلبه مصدقًا بثوابها (فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة) الداخلين لها ابتداء من غير دخول النار لأن الغالب أن المؤمن بحقيتها المؤمن بمضمونها لا يعصي الله تعالى أو أن الله يعفو عنه ببركة هذا الاستغفار قاله في الكواكب. (ومن قالها من الليل وهو موقن) مخلص (بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة) ويحتمل أن يكون هذا فيمن قالها ومات قبل أن يفعل ما يغفر له به ذنوبه.

وقال في بهجة النفوس: من شروط الاستغفار صحة النية والتوجه والأدب فلو أن أحدًا حصل الشروط واستغفر بغير هذا اللفظ الوارد واستغفر آخر بهذا اللفظ الوارد لكن أخلّ بالشروط هل يتساويان؟ والذي يظهر أن اللفظ المذكور إنما يكون سيد الاستغفار إذا جمع الشروط المذكورة قال: وقد جمع هذا الحديث من بديع المعاني وحسن الألفاظ ما يحق له أن يسمى سيد الاستغفار ففيه الإِقرار لله وحده بالإلهية والعبودية والاعتراف بأنه الخالق والإِقرار بالعهد الذي أخذه عليه والرجاء بما وعده به والاستعاذة من شر ما جنى العبد على نفسه وإضافة النعماء إلى موجدها إضافة الذنب إلى نفسه ورغبته في المغفرة واعترافه بأنه لا يقدر أحد على ذلك إلا هو وفي ذلك الإشارة إلى الجمع بين الشريعة والحقيقة وأن تكاليف الشريعة لا تحصل إلا إذا كان في ذلك عون من الله تعالى اهـ.

وقال في الكواكب: لا شك أن في الحديث ذكر الله تعالى بأكمل الأوصاف وذكر العبد نفسه بأنقص الحالات وهي أقصى غاية التضرع ونهاية الاستكانة لمن لا يستحقها إلا هو، أما الأول فلما فيه من الاعتراف بوجود الصانع وتوحيده الذي هو أصل الصفات العدمية المسماة بصفات الجلال والاعتراف بالصفات السبعة الوجودية المسماة بصفات الإكرام وهي القدرة اللازمة من الخلق الملزومة للإرادة والعلم والحياة والخامسة الكلام اللازم من الوعد والسمع والبصر اللازمان من المغفرة إذ المغفرة للمسموع والمبصر لا يتصور إلا بعد السماع والإِبصار، وأما الثاني فلما فيه أيضًا من الاعتراف بالعبودية وبالذنوب في مقابلة النعمة التي تقتضي نقيضها وهو الشكر انتهى.

والحديث أخرجه النسائي في الاستعاذة وفي اليوم والليلة.

3 - باب اسْتِغْفَارِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ

(باب) مقدار (استغفار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في اليوم والليلة).

6307 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «وَاللَّهِ إِنِّى لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِى الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً».

وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (قال: قال أبو هريرة) -رضي الله عنه- (سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):

(والله إني لأستغفر الله وأتوب) زاد أبو ذر عن الكشميهني إليه (في اليوم أكثر من سبعين مرة) أي أفعل ذلك الاستغفار إظهارًا للعبودية وافتقارًا لكرم الربوبية أو تعليمًا منه لأمته أو من ترك الأولى أو قاله تواضعًا أو أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما كان دائم الترقي في معارج القرب كان كلما ارتقى درجة ورأى ما قبلها دونها استغفر منها، لكن قال في الفتح: إن هذا مفرع على أن العدد المذكور في استغفاره كان مفرقًا بحسب تعدد الأحوال وظاهر ألفاظ الحديث يخالف ذلك، وفي حديث أنس: إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة والتعبير بالسبعين قيل هو على ظاهره، وقيل المراد التكثير والعرب تضع السبع والسبعين والسبعمائة موضع الكثرة، وقوله في حديث الباب أكثر مبهم يحتمل أن يفسر بحديث أبي هريرة لأستغفر الله في اليوم مائة مرة، وفي حديث الأعزّ عند مسلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015