بناه بيده وهو اعتذار حسن من سفيان -رحمه الله تعالى-.
هذا آخر كتاب الاستئذان ولله الحمد والمنّة فرغ في رابع عشر جمادى الأولى سنة أربع عشرة وتسعمائة وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60].
(بسم الله الرحمن الرحيم).
(كتاب الدعوات) بفتح الدال والعين المهملتين جمع دعوة بفتح أوله مصدر يراد به الدعاء يقال دعوت الله أي سألته (قوله) بالرفع على الاستئناف ولأبي ذر: وقول الله (تعالى) بالجرّ عطفًا على السابق {ادعوني أستجب لكم} لما كان من أشرف أنواع الطاعات الدعاء والتضرع أمر الله تعالى به فضلاً وكرمًا وتكفل لهم بالإجابة، وعن سفيان الثوري فيما رواه ابن أبي حاتم أنه كان يقول: يا من أحب عباده إليه من سأله فأكثر سؤاله ويا من أبغض عباده إليه من لم يسأله وليس أحد كذلك غيرك يا رب وفي معناه قال القائل:
الله يغضب إن تركت سؤاله ... وترى ابن آدم حين يسأل يغضب
وفي حديث أنس بن مالك عند أبي يعلى في مسنده عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما يروي عن ربه عز وجل وأما التي بيني وبينك فمنك الدعاء وعليّ الإِجابة.
وفي حديث النعمان بن بشير عند الإِمام أحمد مرفوعًا: إن الدعاء هو العبادة ثم قرأ: {ادعوني أستجب لكم} الآية. ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجة.
وفي حديث أبي هريرة مرفوعًا: من لم يدع الله غضب الله عليه، رواه أحمد منفردًا به بإسناد لا بأس به، وقيل المراد بقوله: ({ادعوني أستجب لكم}) الأمر بالعبادة بدليل قوله بعد: ({إن الدين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}) [غافر: 60] صاغرين ذليلين والدعاء بمعنى العبادة كثير في القرآن كقوله: {إن يدعون من دونه إلاّ إناثًا} [النساء: 117] وأجاب الأوّلون
بأن هذا ترك للظاهر فلا يصار إليه إلا بدليل وقال العلامة تقي الدين السبكي: الأولى حمل الدعاء في الآية على ظاهره، وأما قوله بعد ذلك عن عبادتي فوجه الربط أن الدعاء أخص من العبادة فمن استكبر عن العبادة استكبر عن الدعاء، وعلى هذا فالوعيد إنما هو في حق من ترك الدعاء استكبارًا ومن فعل ذلك كفر اهـ.
وتخلف الدعاء عن الإِجابة إنما هو لفقد شرطه، وفي قوله تعالى: {ادعوني أستجب لكم} [غافر: 65] إشارة إلى أن من دعا الله وفي قلبه ذرة من الاعتماد على ماله أو جاهه أو أصدقائه أو اجتهاده فهو في الحقيقة ما دعا الله إلاّ باللسان، وأما القلب فإنه يعوّل في تحصيل ذلك المطلوب على غير الله، وأما إذا دعا الله تعالى في وقت لا يكون القلب فيه متلفتًا إلى غير الله فالظاهر أنه يستجاب له.
واستشكل حديث من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين المقتضي لأفضلية ترك الدعاء حينئذ مع الآية المقتضية للوعيد الشديد على تركه. وأجيب: بأن العقل إذا كان مستغرقًا في الثناء كان أفضل من الدعاء لأن الدعاء طلب الجنة والاستغراق في معرفة جلال الله أفضل من الجنة أما إذا لم يحصل الاستغراق كان الاشتغال بالدعاء أولى لأن الدعاء يشتمل على معرفة عز الربوبية وذل العبودية والصحيح استحباب الدعاء، ورجح بعضهم تركه استسلامًا للقضاء، وقيل: إن دعا لغيره فحسن وإن خصّ نفسه فلا، وقيل: إن وجد في نفسه باعثًا للدعاء استحب وإلاّ فلا، وسقط لأبي ذر قولها {إن الذين يستكبرون} الخ، وقال بدله الآية.
(ولكل نبي) ولأبي ذر باب بالتنوين لكل نبي (دعوة مستجابة).
6304 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لِكُلِّ نَبِىٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُو بِهَا، وَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِى شَفَاعَةً لأُمَّتِى فِى الآخِرَةِ» [الحديث 6304 - طرفه في: 7474].
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبو عبد الله المدني إمام دار الهجرة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لكل نبي دعوة يدعو) ولأبي ذر: دعوة مستجابة يدعو (بها) أي بهذه الدعوة على أمته مقطوع فيها بالإِجابة وما عداها على رجاء الإِجابة (وأريد أن أختبئ) بخاء معجمة ساكنة وفوقية مفتوحة فموحدة مكسورة فهمزة أي أدّخر (دعوتي) المقطوع