يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يسلّم) أي ليسلم (الراكب على الماشي) قال في شرح المشكاة: وإنما استحب ابتداء السلام للراكب لأن وضع السلام إنما هو لحكمة إزالة الخوف من الملتقيين إذا التقيا أو من أحدهما في الغالب أو لمعنى التواضع المناسب لحال المؤمن، أو للتعظيم لأن السلام إنما يقصد به أحد أمرين إما اكتساب ودّ أو استدفاع مكروه قاله الماوردي، وقال ابن بطال: تسليم الراكب لئلا يتكبر بركوبه فيرجع إلى التواضع، وقال الماوردي: لأن للراكب مزية على الماشي فعوّض الماشي بأن يبدأه الراكب احتياطًا على الراكب من الزهو (والماشي) يسلّم (على القاعد) للإيذان بالسلامة وإزالة الخوف (والقليل) كالواحد يسلّم (على الكثير) كالاثنين فأكثر على ما سبق في الباب قبله لفضيلة الجماعة، ولأن الجماعة لو ابتدؤوا الواحد لزها فاحتيط له ولم يذكر في الرواية المذكورة في الباب السابق تسليم الراكب على الماشي، ولا في رواية هذا الباب الصغير على الكبير كما ذكرها في رواية همام فكان كلاًّ منهما حفظ ما لم يحفظه الآخر، واشتمل الحديثان على أربعة اجتمعت في رواية الحسن عن أبي هريرة فيما رواه الترمذي قاله في الفتح.
والحديث أخرجه مسلم في الأدب.
(باب تسليم الماشي على القاعد) ولأبي ذر باب بالتنوين يسلّم بصيغة المضارع.
6233 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى زِيَادٌ أَنَّ ثَابِتًا أَخْبَرَهُ، وَهْوَ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِى، وَالْمَاشِى عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ».
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدثني (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه قال: (أخبرنا روح بن عبادة) بفتح الراء وسكون الواو وبعدها حاء مهملة وعبادة بضم العين وتخفيف الموحدة قال: (حدّثنا ابن جريج) عبد الملك (قال: أخبرني) بالإفراد (زياد) هو ابن سعد (أن ثابتًا) هو ابن عياض (أخبره وهو مولى عبد الرحمن بن زيد) وأما ما حكاه أبو علي الجياني أن في رواية الأصيلي عن الجرجاني عن عبد الرحمن بن يزيد بزيادة تحتية في أوله فقال الحافظ ابن حجر: إنه وهم (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال):
(يسلّم الراكب على الماشي و) يسلّم (الماشي على القاعد و) يسلّم (القليل على الكثير) وقد أبدى صاحب الكواكب سؤالاً فقال: فإن قلت إذا كان المشاة كثيرًا والقاعدون قليلاً فباعتبار المشي
السلام على الماشي وباعتبار القلة على القاعد فهما متعارضان فما حكمه؟ وأجاب: بأنه يتساقط الجهتان ويكون حكم ذلك حكم رجلين التقيا معًا فأيهما ابتدأ بالسلام فهو خير أو يرجح ظاهر أمر الماشي وكذا الراكب فإنه يوجب الأمان لتسلطه وعلوّه.
(باب تسليم الصغير على الكبير) ولأبي ذر: باب بالتنوين يسلم بلفظ المضارع فالصغير رفع.
6234 - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ».
(وقال إبراهيم بن طهمان) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء أبو سعيد الخراساني من أئمة الإسلام لكن فيه إرجاء وثبت قوله ابن طهمان لأبي ذر (عن موسى بن عقبة عن صفوان بن سليم) الزهري مولاهم المدني الإمام القدوة ومن يستسقى بذكره (عن عطاء بن يسار) الهلالي (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يسلّم الصغير على الكبير) تعظيمًا له وتوقيرًا ولم يقع تسليم الصغير على الكبير في صحيح مسلم. قال في الفتح: وكأنه لمراعاة حق السن فإنه معتبر في أمور كثيرة في الشرع، فلو تعارض الصغر المعنوي والحسي كأن يكون الأصغر أعلم مثلاً لم أر فيه نقلاً، والذي يظهر اعتبار السن لأنه الظاهر كما تقدم الحقيقة على المجاز، ونقل ابن دقيق العيد عن ابن رشد أن محل الأمر بتسليم الصغير على الكبير إذا التقيا فإن كان أحدهما ماشيًا والآخر راكبًا بدأ الراكب وإن كانا راكبين أو ماشيين بدأ الصغير (و) يسلم (المار) ماشيًا كان أو راكبًا صغيرًا أو كبيرًا قليلاً أو كثيرًا (على القاعد) تشبيهًا بالداخل على أهل المنزل.
وفي حديث فضالة بن عبيد عند البخاري في الأدب المفرد والترمذي وصححه النسائي، وصححه ابن حبان: يسلم الفارس على الماشي والماشي على القائم الحديث. ولو تلاقى مارّان راكبان أو ماشيان؟ قال المازري: يبدأ الأدنى منهما الأعلى قدرًا في الذين إجلالاً لفضله