على أن من شرطية أي من يفعل هذا الفعل فلا ينقطع الكلام ويصير مرتبطًا بما قبله ارتباطًا ظاهرًا.
والرحمة من الخلق التعطف والرقة، وهذا لا يجوز على الله تعالى ومن الله تعالى الرضا عمن رحمه لأن من رق له القلب فقد رضي عنه أو الإنعام أو إرادة الخير لأن الملك إذا عطف على رعيته ورق لهم أصابهم بمعروفه وإنعامه، والحاصل أن الأولى على الحقيقة والثانية على المجاز. وقوله: من لا يرحم يشمل جميع أصناف الخلق فيرحم البر والفاجر والناطق والبهم والوحش والطير.
وفي الحديث أن تقبيل الولد وغيره من المحارم وغيرهم إنما يكون للشفقة والرحمة لا للذة والشهوة وكذا الضم والشم والمعانقة، والحديث من أفراده.
5998 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِىٌّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن هشام عن) أبيه (عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها قالت: (جاء أعرابي إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال الحافظ: يحتمل أن يكون هو الأقرع بن حابس ووقع مثل ذلك لعيينة بن حصن أخرجه أبو يعلى الموصلي بسند رجاله ثقات، وفي كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني بإسناده عن أبي هريرة أن قيس بن عاصم دخل على النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكر قصة شبيهة بلفظ حديث عائشة ويحتمل التعدد. (فقال: تقبلون) بحذف أداة الاستفهام وللكشميهني أتقبلون (الصبيان فما نقبلهم) وعند مسلم فقال: نعم قال: لكنا ما نقبل (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أو أملك لك) بفتح الواو والهمزة الأولى للاستفهام والواو للعطف على مقدّر بعد الهمزة نحو أو مخرجي هم (أن نزع الله من قلبك الرحمة) بفتح الهمزة مفعول أملك أي لا أقدر أن أجعل الرحمة في قلبك بعد أن نزعها الله منه. وقال الأشرف فيما نقله في شرح المشكاة: يروى أن بفتح الهمزة فهي مصدرية ويقدّر مضاف أي لا أملك لك دفع نزع الله من قلبك الرحمة. وقال الشيخ نور الدين البجيري: ويحتمل أن يكون مفعول أملك محذوفًا وأن نزع في موضع نصب على المفعول لأجله على أنه تعليل للنفي المستفاد من الاستفهام الإنكاري الإبطالي، والتقدير لا أملك وضع الرحمة في قلبك لأن نزعها الله منه أي انتفى ملكي لذلك لنزع الله إياها من قلبك اهـ.
ويروى بكسر الهمزة شرطًا وجزاؤه محذوف وهو من جنس ما قبله أي إن نزع الله من قلبك الرحمة لا أملك ردها لك لكن قال الحافظ ابن حجر إنها بفتح الهمزة في الروايات كلها اهـ.
وقول صاحب التنقيح والهمزة أي في أو أملك للاستفهام التوبيخي أي لا أملك لك، تعقبه في المصابيح بأنها لو كانت للتوبيخ لاقتضت وقوع ما بعدها لا نفيه أي نحو {أتعبدون ما تنحتون} [الصافات: 95] {أغير الله تدعون} [الأنعام: 40] وإنما هي هنا للإنكار الإبطالي المقتضي أن يكون ما بعدها غير واقع وأن مدعيه كاذب نحو: {أفاصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثًا} [الإسراء: 40] {فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون} [الصافات: 149] والمعنى هنا لا أملك لك جعل الرحمة فيك بعد أن نزعها الله من قلبك. وهذا الحديث من أفراده.
5999 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - قَالَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبْىٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْىِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِى إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِى السَّبْىِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَتَرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِى النَّارِ»؟ قُلْنَا لاَ وَهْىَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ فَقَالَ: «اللَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا».
وبه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم قال: (حدّثنا أبو غسان) بفتح. الغين المعجمة والسين المهملة المشددة محمد بن مطرف قال: (حدثني) بالإفراد (زيد بن أسلم عن أبيه) أسلم مولى عمر (عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-) أنه (قال قدم على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبي) من هوازن، وللكشميهني قدم بضم الفاف على صيغة المجهول بسبي بزيادة الجار (فإذا امرأة من السبي) أي يعرف ابن حجر اسمها (تحلب) بسكون الحاء المهملة وضم اللام (ثديها) بالإفراد والنصب مفعول، وفي نسخة قد تحلب، ولأبي ذر عن الكشميهني: قد تحلب بفتح الحاء واللام مشددة ثديها بالإفراد والرفع فاعل أي سأل منه اللبن ومنه سمي الحليب لتحلبه. وقال في فتح الباري: أي تهيأ لأن يحلب قال: ولغير الكشميهني ثدييها بالتثنية (تسقي) بفوقية مفتوحة وسكون المهملة وكسر القاف. قال الحافظ ابن حجر: وللكشميهني بسقي بموحدة مكسورة بل
الفوقية وفتح المهملة