أو من عطف الخاص على العام تعظيمًا لهذا النوع لما يترتب عليه من المفاسد، وقال الشيخ ابن دقيق العيد: ينبغي أن يحمل قول الزور على شهادة الزور فإنا لو حملناه على الإطلاق لزم أن تكون الكذبة الواحدة مطلقًا كبيرة وليس كذلك وإن كانت مراتب الكذب متفاوتة بحسب تفاوت مفاسده (ألا وقول الزور وشهادة الزور) ذكرها مرتين، لكن في الفرع شطب على الثاني وهو ألا إلى آخره وعليه علامة السقوط لأبوي الوقت وذر والأصيلي قال أبو بكرة (فما زال) عليه الصلاة والسلام (يقولها) ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور فيعود الضمير عليها لا غير (حتى قلت لا يسكت) وكرر ألا تنبيهًا على استقباح الزور، وكرره دون الأولين لأن الناس يهون عليهم أمره فيظنون أنه دون سابقه فهوّل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمره ونفر عنه حين كرره فحصل في مبالغة النهي عنه ثلاثة أشياء: الجلوس وكان متكئًا، واستفتاحه بألا التي تفيد تنبيه المخاطب، وإقباله على سماعه وتكرير ذكره مرتين، بل في رواية ثلاثًا ثم أكد تأكيدًا رابعًا بقوله: قول الزور وشهادة الزور وهما في المعنى واحد كما مرّ ذكر ما فيه، وقد قيل إنه يؤخذ من قوله: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر" انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر وهو قول عامة الفقهاء. وقال أبو إسحاق
الإسفراييني: ليس في الذنوب صغيرة بل كل ما نهى عنه كبيرة وهو منقول عن ابن عباس وحكاه عياض عن المحققين.
وقال إمام الحرمين في الإرشاد: والمرضي عندنا أن كل ذنب يعصى الله به كبيرة فرب شيء يعدّ صغيرة بالإضافة إلى الإفراد ولو كان في حق الملك لكان كبيرة والرب أعظم من عصى، فكل ذنب بالإضافة إلى مخالفته عظيم، ولكن الذنوب وإن عظمت فهي متفاوتة في رتبها وظن بعض الناس أن الخلاف لفظي فقال: التحقيق أن للكبيرة اعتبارين فبالنسبة إلى مقايسة بعضها بعض فهي تختلف قطعًا وبالنسبة إلى الآمر والناهي فكلها كبائر انتهى. فحقق -رحمه الله- المنقول عن الأشاعرة وبيّن أنه لا يخالف ما قاله الجمهور.
وقال النووي: اختلفوا في ضبط الكبيرة اختلافًا كثيرًا منتشرًا فعن ابن عباس كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب وقيل ما أوعد الله عليه بنار في الآخرة أو أوجب فيه حدًّا في الدنيا انتهى.
وليس قوله: أكبر الكبائر على ظاهره من الحصر بل فيه مقدرة فقد ثبت فى أشياء أُخر أنها من أكبر الكبائر كقتل النفس والزنا بحليلة الجار واليمين الغموس وسوء الظن بالله.
والحديث مضى في الشهادات في باب ما قيل في شهادة الزور.
5977 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْكَبَائِرَ أَوْ سُئِلَ عَنِ الْكَبَائِرِ فَقَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» فَقَالَ: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ»؟ قَالَ: «قَوْلُ الزُّورِ -أَوْ قَالَ- شَهَادَةُ الزُّورِ»، قَالَ شُعْبَةُ: وَأَكْثَرُ ظَنِّى أَنَّهُ قَالَ: «شَهَادَةُ الزُّورِ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن الوليد) بن عبد الحميد البسري بضم الموحدة وسكون المهملة القرشي البصري من ولد بسر بن أبي أرطأة الملقب بحمدان قال: (حدّثنا محمد بن جحفر) غندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدثني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن أبي بكر) أي ابن أنس بن مالك (قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: ذكر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكبائر أو سئل) بضم السين وكسر الهمزة (عن الكبائر) بالشك من الراوي (فقال) عليه الصلاة والسلام:
هي (الشرك بالله وقتل النفس) التي حرم الله قتلها إلا بالحق كالقصاص والقتل على الردّة والرجم (وعقوق الوالدين فقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر) أكبر أفعل تفضيل استعمل هنا بالإضافة والتقدير ألا أنبئكم بخصال أكبر الكبائر زاد في الرواية السابقة فقلنا بلى (قال) عليه الصلاة
والسلام هو (قول الزور أو قال شهادة الزور) وضابط الزور وصف الشيء على خلاف ما هو به وقد يضاف إلى القول فيشمل الكذب والباطل وقد يضاف إلى الشهادة فيختص بها وقد يضاف إلى الفعل ومنه لابس ثوبي زور.
(وقال شعبة) بن الحجاج بالسند المذكور: (وأكثر ظني) بالمثلثة ولأبي ذر والأصيلي وأكبر بالموحدة (أنه قال: شهادة الزور) وقد وقع الجزم بذلك في رواية وهب بن جرير وعبد الملك بن إبراهيم في الشهادات قال فيه وشهادة الزور ولم يشك، ولمسلم من رواية ابن الحارث