(فخطبا) في دلائل النبوّة للبيهقي من طريق مقسم عن ابن عباس جلس إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهيم وقيس بن عامر ففخر الزبرقان فقال: يا رسول الله أنا سيد بني تميم والمطاع فيهم والمجاب أمنعهم من الظلم وآخذ منهم بحقوقهم وهذا يعلم ذلك يعني عمرو بن الأهيم، فقال عمرو: إنه لشديد العارضة مانع لجانبه مطاع في أدنيه فقال الزبرقان: والله يا رسول الله لقد علم مني غير ما قال، وما منعه من أن يتكلم إلا الحسد فقال عمرو: وأنا أحسدك والله يا رسول الله إنه لئيم الخال خبيث المال أحمق الوالد مضيّع في العشيرة والله يا رسول الله لقد صدقت في الأولى وما كذبت في الأخرى ولكني رجل إذا رضيت قلت أحسن ما علمت وإن غضبت قلت أقبح ما وجدت (فعجب الناس) منهما (لبيانهما فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):

(إن من البيان) الذي هو إظهار المقصود بأبلغ لفظ وهو من الفهم وذكاء القلب وأصل البيان الكشف والظهور (لسحرًا - أو) قال عليه الصلاة والسلام: (إن بعض البيان - لسحر) شك من الراوي فمن للتبعيض كما صرح به. وقال في شرح السُّنَّة: اختلف في تأويله فحمله قوم على الذم لأنه ذم الكلام في التصنع والتكلف في تحسينه ليروق للسامعين وليستمل به قلوبهم كما يفعل السحر حيث يحول الشيء عن حقيقته ويصرفه عن جهته فيلوح للناظرين في غير معرض فكذلك المتكلم قد يحيل الشيء عن ظاهره ببيانه ويزيله عن موضعه بلسانه إرادة التلبيس على السامع أو إن من البيان ما يكسب صاحبه من الإثم ما يكتسبه الساحر بسحره أو هو الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بحجته من صاحب الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق وشاهده قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه" الحديث. وذهب آخرون إلى أن المراد منه مدح البيان والحث على تحسين الكلام وتحبير الألفاظ.

وروي عن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- أن رجلاً طلب إليه حاجة كان يتعذر عليه إسعافه بها فاستمال قلبه بالكلام ثم أنجزها له ثم قال: هذا هو السحر الحلال والأحسن كما قال الخطابي: إن هذا الحديث ليس ذمًّا للبيان ولا مدحًا له لقوله من البيان فأتي بلفظ من التبعيضية وبالتصريح أيضًا به، وقد اتفق على مدح الإيجاز والإتيان بالمعاني الكثيرة بالألفاظ اليسيرة.

وقال في شرح المشكاة: والحق أن الكلام إذا كان ذا وجهين يختلف بحسب المغزى والمقاصد

لأن مورد المثل على ما روي عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قصة الزبرقان وعمرو كان استحسانًا، لكن تعقب في الفتح القول بأن الرجلين المذكورين في حديث الباب هما الزبرقان وعمرو، وقال بعد ما ذكر ما سبق من قولهما وهذا لا يلزم منه أن يكونا هما المراد بحديث ابن عمر فإن المتكلم إنما هو عمرو بن الأهيم وحده وكان كلامه في مراجعة الزبرقان فلا يصح نسبة الخطبة إليهما إلا على طريقة التجوّز.

وفي جامع عبد الرزاق من مسند مجاهد قال: خطب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطبة في بعض الأمر ثم قام أبو بكر فخطب خطبة دونها ثم قام عمر فخطب خطبة دون خطبة أبي بكر ثم قام شاب فاستأذن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في الخطبة فأذن له فطوّل الخطبة فلم يزل يخطب حتى قال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هنية) أو كما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم قال: (وإن الله لم يبعث نبيًا إلا مبلّغًا وإن تشقيق الكلام من الشيطان وإن من البيان لسحرًا) أو (من البيان سحر) قال شيخنا الحافظ أبو الخير السخاوي: فهذه خلاف القصة الأخرى جزمًا.

وهذا الحديث سبق في النكاح في باب الخطبة، وأخرجه أبو داود في الأدب، والترمذي في أبواب البر، ورواه أكثر رواة الموطأ مرسلاً ليس فيه ابن عمر.

52 - باب الدَّوَاءِ بِالْعَجْوَةِ لِلسِّحْرِ

(باب الدواء بالعجوة) وهي ضرب من أجود تمر المدينة، وقال القزاز: إنه مما غرسه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده بالمدينة (للسحر) أي لأجل دفع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015