(حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة) بفتح اللام الماجشون التيمي مولاهم المدني قال: (أخبرنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عامر بن سعد) بسكون العين (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة بالجنة أنه (قال: جاءنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يعودني من وجع) أي بسبب وجع أو لأجل وجع (اشتدّ بي زمن حجة الوداع) بمكة (فقلت) يا رسول الله (بلغ بي من الوجع ما ترى) يصح على مذهب ابن مالك والكوفيين أن تكون من زائدة في الإثبات أي بلغ بي الوجع ما ترى وفي التنزيل {وقد بلغني الكبر} [آل عمران: 40] {وقد بلغت من الكبر} [مريم: 8] والرؤية بصرية مفعولها هو العائد على ما ومتى جعلنا الفاعل ما وصلتها كان التقدير بلغ بي ما تراه، ويحتمل أن يكون الفاعل محذوفًا يدل عليه قوله من الوجع، والتقدير بلغ بي جهد من الوجع ثم حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه قال ابن مالك وهذا الحذف يكثر قبل من لدلالتها على التبعيض ومنه قوله تعالى: {ولقد جاءك من نبأ المرسلين} [الأنعام: 34] أي ولقد جاءك نبأ من نبأ المرسلين. (وأنا ذو مال) في موضع الحال من ضمير النبي في ترى والرابط واو الحال أو من فاعل اشتد والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب (ولا يرثني) بالفرض (إلا ابنة لي) هي أم الحكم الكبرى (أفأتصدق بثلثي مالي)؟ الهمزة للاستفهام والفعل معها مستفهم عنه والفاء عاطفة وقيل زائدة وكان حقها التقديم لكن عارضها الاستفهام وله صدر الكلام (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(لا) حرف جواب وهي بمعناها تسدّ مسد الجملة أي لا تتصدق بكل الثلثين قال سعد (قلت بالشطر) بالجار والمراد به النصف كما في الرواية الأخرى ولأبي ذر فالشطر بالفاء الموحدة رفع على الابتداء والخبر محذوف أي فالشطر أتصدق به (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا) قال سعد (قلت: الثلث؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (الثلث كثير)، ولأبي ذر قال: لا الشك والثلث كثير فأسقط قلت وقال وزاد والثلث أي: الثلث تصدّق به والثلث كثير مبتدأ وخبر (أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة) ولأبي ذر عن الكشميهني: إنك أن تذر بالذال المعجمة وهمزة أن مفتوحة على الروايتين فهي مصدرية ناصبة للفعل والموضع رفع بالابتداء وخير خبره والجملة خبر أن من قوله إنك، ويجوز كسر إن فهي حرف شرط فالفعل بعدها مجزوم وحينئذٍ فجواب الشرط محذوف أي فهو خير فيكون قد حذف المبتدأ مقرونًا بالفاء وأبقى الخبر. قال ابن مالك: وهذا فيما زعم
النحويون مخصوص بالضرورة وليس كذلك بل أكثر استعماله في الشعر وقلّ في غيره فمن وروده في غير الشعر قراءة طاوس {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير} [البقرة: 220] أي فهو خير قال: وهذا وإن لم يصرح فيه بأداة الشرط فإن الأمر مضمن معنى الشرط فكان ذلك بمنزلة التصريح بها في استحقاق الجواب واستحقاق اقترانه بالفاء لكونه جملة اسمية ومن خص هذا الحذف بالشعر حاد عن التحقيق، وضيق حيث لا تضييق وقوله عالة بتخفيف اللام جمع عائل وهو الفقير أي أن تتركهم أغنياء خير من أن تتركهم فقراء حال كونهم (يتكففون الناس) يبسطون إليهم أكفّهم بالسؤال (ولن تنفق نفقة تبتغي) تطلب (بها وجه الله) ثوابه ونفقة هنا بمعنى منفقًا والمنفق اسم مفعول كالخلق بمعنى المخلوق (ألا أجرت عليها) بضم الهمزة مبنيًّا لما لم يسم فاعله أي أعطاك الله بها أجرًا (حتى ما تجعل في فِي امرأتك) أي فمها، ففي الأولى حرف والثانية اسم وحتى للغاية وهي هنا داخلة على الاسم وهو ما الموصولة وصلتها، والتقدير حتى الذي تجعله ويجوز أن تكون حرف ابتداء فتكون الصلة والموصول في موضع رفع بالابتداء والخبر محذوف والتقدير حتى الذي تجعله في فِي امرأتك تؤجر عليه وخص الزوجة بالذكر لعود منفعتها التي هي سبب الإنفاق عليه، والمعنى أن المباح يصير طاعة مثابة إذا قصد به وجه الله تعالى.
وهذا الحديث سبق في كتاب الوصايا.
(باب قول المريض) لمن عنده (قوموا عني) إذا