أي للكفار كما يدل عليه السياق (في الدنيا) يستعملونها مخالفة للمسلمين (وهي لكم) معاشر المؤمنين تستعملونها (في الآخرة) مكافأة لكم على تركها في الدنيا ويمنعها أولئك جزاء لهم على معصيتهم باستعمالها كذا قرّره الإسماعيلي.
وهذا الحديث مرّ في باب الأكل في إناء مفضض من كتاب الأطعمة.
(باب) حكم استعمال (آنية الفضة).
5633 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ حُذَيْفَةَ وَذَكَرَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَشْرَبُوا فِى آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلاَ تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِى الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِى الآخِرَةِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) أبو موسى العنزي الحافظ قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) محمد واسم أبي عدي إبراهيم البصري (عن ابن عون) عبد الله (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن ابن أبي ليلى) عبد الرحمن أنه (قال: خرجنا مع حذيفة) بن اليمان، زاد الإسماعيلي إلى بعض السواد فاستسقى فأتاه دهقان بإناء من فضة فرماه به في وجهه قال: فقلنا اسكتوا فإنّا إن سألناه لم يحدّثنا قال: فسكتنا فلما كان بعد ذلك قال: أتدرون لِمَ رميته بهذا في وجهه؟ قلنا: لا. قال: ذاك أني كنت نهيته قال: (وذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لا تشربوا في آنية الذهب والفضة) ويقاس بالشرب والأكل غيرهما وإنما خصا بالذكر لغلبتهما وهل حرم الذهب والفضة لعينهما أو للسرف أو للخيلاء قولان. الجديد أنهما لعينهما، وقد يعللون بالثاني فالوجه مراعاة كل منهما في الآخر شرطًا ليصح الحكم في المموّه والمغشى بنحاس وليفارق الضعيف المعلل بالثاني في المموّه وفهم من حرمتهما حرمة الاستئجار لفعلهما وأخذ الأجرة على صنعتهما وعدم الغرم على كاسر ذلك كآلات الملاهي ومن التقييد بالذهب والفضة حلّ غيرهما ولو من جوهر نفيس كياقوت لانتفاء علة التحريم (ولا تلبسوا الحرير والديباج فإنها) أي جميع ما نهى عنه (لهم في الدنيا) يتعلق قوله لهم بخبر إن والضمير يعود على المشركين أو على من عصى بها من المؤمنين فإنه لا ينعم بها في الآخرة وإن دخل الجنة (ولكم في الآخرة) أي الاختصاص بها لمن اجتنبها في الدنيا.
5634 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الَّذِى يَشْرَبُ فِى إِنَاءِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِى بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالتوحيد (مالك بن أنس) الأصبحي الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن زيد بن عبد الله بن عمر) التابعي الثقة (عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق) -رضي الله عنه- (عن) خالته (أم سلمة) هند بنت أبي أمية -رضي الله عنها- (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(الذي يشرب في إناء الفضة) ولأبي ذر: في آنية الفضة ولمسلم من طريق عثمان بن مرّة عن عبد الله بن عبد الرحمن من شرب من إناء ذهب أو فضة وله أيضًا من رواية عليّ بن مسهر عن عبيد الله بن عمر العمري عن نافع أن الذي يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضة لكن تفرّد علي بن مسهر بقوله يأكل (إنما يجرجر في بطنه نار جهنم) بضم التحتية وفتح الجيم الأولى وكسر الثانية بينهما راء ساكنة وآخره راء أيضًا صوت تردد البعير في حنجرته إذا هاج وصب الماء في الحلق كالتجرجر والتجرجر أن يجرعه جرعًا متداركًا جرجر الشراب وجرجره سقاه على تلك الصفة، وقول النووي اتفقوا على كسر الجيم الثانية من يجرجر تعقب بأن الموفق ابن حمزة في كلامه على المهذّب حكى فتحها، وحكى الوجهين ابن الفركاح وابن مالك في شواهد التوضيح وتعقب بأنه لا يعرف أن أحدًا من الحفاظ رواه مبنيًّا للمفعول ويبعد اتفاق الحفاظ قديمًا وحديثًا على ترك رواية ثابتة قال: وأيضًا إسناده إلى الفاعل هو الأصل إلى المفعول فرع فلا يصار إليه بغير فائدة، وقوله نار جهنم بنصب نار في الفرع على أن الجرجرة هي التي تصوّت في البطن والأشهر الأول.
وقال في شرح المشكاة: وأما الرفع فمجاز لأن جهنم في الحقيقة لا تجرجر في جوفه والجرجرة صوت البعير عند الضجر ولكنه جعل صوت تجرّع الإنسان للماء في هذه الأواني المخصوصة لوقوع النهي عنها واستحقاق العقاب على استعمالها كجرجرة نار جهنم في بطنه من طريق المجاز وقد يجعل