الجعفي قال: (حدّثنا أبو عامر) عبد الملك العقدي بفتح العين المهملة والقاف قال: (حدّثنا فليح بن سليمان) بفاء مضمومة آخره مهملة وضم السين مصغرين العدوي مولاهم المدني (عن سعيد بن الحارث) الأنصاري قاضي المدينة (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل على رجل من الأنصار) قيل هو أبو الهيثم بن التيهان الأنصاري (ومعه صاحب له) هو أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- (فقال له) أي للرجل الأنصاري الذي دخل عليه (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن كان عندك ماء بات هذه الليلة في شنة) بفتح الشين المعجمة والنون المشدّدة قربة خلقة فاسقنا منها (وإلاّ كرعنا) بفتح الراء وتكسر شربنا من غير إناء ولا كف بل بالفم (قال) جابر (والرجل) الأنصاري (يحول الماء في حائطه) ينقله من عمق البئر إلى ظاهرها أو يجري الماء جانب إلى جانب من بستانه ليعم أشجاره بالسقي (قال) جابر (فقال الرجل) الأنصاري وسقط لابن عساكر لفظ الرجل (يا رسول الله عندي ماء بائت فانطلق) بكسر اللام وسكون القاف (إلى العريش) المسقف من البستان بالأغصان وأكثر ما يكون في الكروم (قال فانطلق) الرجل الأنصاري (بهما) بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبالصديق -رضي الله عنه- إلى العريش (فسكب في قدح) ماء (ثم حلب عليه) لبنًا (من داجن له) بالجيم والنون شاة تألف البيوت (قال) جابر (فشرب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم شرب الرجل الذي جاء معه) وهو أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-.
وهذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجة في الأشربة.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لاَ يَحِلُّ شُرْبُ بَوْلِ النَّاسِ لِشِدَّةٍ تَنْزِلُ، لأَنَّهُ رِجْسٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي السَّكَرِ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ.
(باب شراب الحلواء) بالمد للمستملي وبالقصر لغيره لغتان (و) شراب (العسل) وليس المراد بقوله شراب الحلواء الحلواء المعهودة المعقودة بالنار بل كل حلواء تشرب من نقيع حلو وغيره مما يشبهه وقوله الحلواء شامل للعسل فذكره بعدها من التخصيص بعد التعميم.
(وقال الزهري) محمد بن مسلم فيما وصله عبد الرزاق (لا يحل شرب بول الناس لشدّة) أي لضرورة عطش ونحو (تنزل الآية) أي البول (رجس) نجس (قال الله تعالى: {أحل لكم الطيبات}) [المائدة: 4]. وقال عز وجل: {ويحرّم عليهم الخبائث} [الأعراف: 7: 1] والرجس: من جملة الخبائث وأورد عليه جواز أكل الميتة عند الشدّة وهي رجس وقد جوّز شرب البول للتداوي. وأجيب: باحتمال أن يكون الزهري يرى أن القياس لا يدخل الرخص فإن الرخصة قد وردت في الميتة لا في البول، وفي شُعب البيهقي أن الزهري كان يصوم يوم عاشوراء في السفر فقيل له: أنت تفطر في رمضان في السفر؟ فقال: إن الله عز وجل قال في رمضان: {فعدّة من أيام أُخر} [البقرة: 184] وليس ذلك لعاشوراء.
(وقال ابن مسعود) عبد الله (في السكر) بفتح السين المهملة والكاف بعدها راء الخمر بلغة العجم وفي فوائد علي بن حرب الطائي عن سفيان بن عيينة عن منصور أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح على شرط الشيخين عن جرير عن منصور عن أبي وائل قال: اشتكى رجل منا يقال له خيثم بن العداء داء ببطنه يقال له الصفر فنعت له السكر فأرسل إلى ابن مسعود يسأله فقال: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما) ولأبي ذر مما (حرم عليكم).
فإن قلت: قد جوزوا إساغة اللقمة بالجرعة من الخمر فلِم يجوزوا التداوي به وأي فرق بينهما؟ أجيب: بأن الإساغة يتحقق بها المراد بخلاف الشفاء فإنه غير محقق كما لا يخفى، وقد قال بعضهم: إن المنافع في الخمر قبل التحريم سلبت بعده فتحريمها مجزوم به وكونها دواء مشكوك فيه بل الراجح أنها ليست بدواء بإطلاق الحديث. نعم يجوز تناولها في صورة واحدة وهي ما إذا اضطر إلى إزالة عقله لقطع عضو من الأكلة والعياذ بالله تعالى، فقد خرّجه الرافعي على الخلاف في جواز التداوي بالخمر وصحح النووي هنا الجواز وهو المنصوص. قال في الفتح: ينبغي أن يكون محله فيما إذا تعين ذاك طريقًا إلى سلامة بقية الأعضاء ولم يجد مرقدًا غيرها.
فإن قلت: ما وجه المطابقة بين الترجمة والأثرين؟ جاب